البحث فيه عن حكم فعل المكلّف كما أنّه لا يناسب المسألة الكلاميّة إذ لا يبحث فيه عن حسن فعل الله تعالى وقبحه من حيث إنّ البعث والزجر فعله تعالى ، وليس كلّ مسألة عقليّة مسألة كلاميّة ، بل المسألة التي لها مساس بالعقائد الدينيّة تكون من المسائل الكلاميّة ، وبالجملة ليس في مسألتنا ما يصلح عنوانه في سائر العلوم وإن أمكن ذلك بتعابير أخرى فلا تغفل.
الخامسة : في أنّ المسألة عقليّة ، وهو واضح لأنّ الحاكم بإمكان اجتماع الأمر والنهي أو امتناعه هو العقل ، والاستحالة أو الإمكان المذكور لا تكون مدلولا للألفاظ حتّى يكون البحث المذكور من مباحث الألفاظ مع أنّ المدار في عدّ المسألة من مباحث الألفاظ ـ كما أفاد وأجاد في نهاية النهاية ـ هو كون البحث عن تحديد مدلولها ثانويّا كمسألة وقوع الأمر عقيب الحظر (١).
ثمّ إنّ الظاهر من الكفاية أنّ موضوع البحث هو الإرادة والكراهة الواقعيّتان ولو لم تنشأ بالقول ، وذكر الأمر والنهي من باب الغلبة ، وكأنّه توهّم أنّه لو كان الموضوع هو الأمر والنهي الظاهريّين في الطلب بالقول لدخل البحث بذلك في مباحث الألفاظ.
ولكنّه غير صحيح بعد ما عرفت من أنّ المدار في عدّ المسألة من مباحث الألفاظ هو كون البحث عن تحديد مدلول اللفظ ، إذ ليس البحث هنا عن تحديد مدلول لفظ الأمر والنهي بل البحث عن إمكان اجتماع الأمر والنهي في الواحد المعنون بالعنوانين وعدمه وهذا بحث عقليّ ولو كان الموضوع هو الأمر والنهي وبالجملة فالمسألة عقليّة سواء كان الموضوع فيها الإرادة والكراهة أو الأمر والنهي أو الأعمّ منهما.
__________________
(١) نهاية النهاية : ج ١ ص ٢١٣ و ٢١٤.