وإمّا بأن يكون البعث نقضا للزجر من حيث الامتثال وأنّه سدّ لباب امتثال الزجر وفيه ما عرفت أيضا من أنّ المكلّف يقدر على الامتثال في مفروض الكلام وهو وجود المندوحة بإتيان المأمور به في غير مورد التصادق وترك مورد التصادق جمعا بين الغرضين.
وإمّا المحذور الثالث وهو التقرّب بالمبعّد ففيه ما لا يخفى لأنّ التقرّب بحيثيّة مقرّبة لا بالحيثيّة المبعّدة وإن اتّحدا في الخارج في الوجود ولا مجال لدعوى لزوم التقرّب بالمبعّد مع تعدّد الحيثيّات والمعنونات ولا منافاة ـ كما في نهاية الدراية ـ بين أن يكون الواحد مسقطا للأمر حيث إنّه مطابق لما تعلّق به ومسقطا للنهي بالعصيان حيث إنّه خلاف ما تعلّق به ونقيضه وكذا ترتّب الثواب عليه من حيث إنّه موجب لسقوط الأمر بإتيان ما يطابق متعلّقه المحصّل للغرض منه فإنّه لا ينافي ترتّب العقاب عليه من حيث إنّه موجب لسقوط النهي بإتيان ما يناقض متعلّقه المنافي لغرضه منه.
بل هكذا حال القرب والبعد الناشئين من التخلّق بالأخلاق الفاضلة أو الرذيلة فإنّه بواسطة التخلّق بالخلق الفاضل له التشبّه بالمبدإ الكامل فهو قريب منه من هذا الوجه وإن كان بواسطة التخلّق بخلق رذيل بعيد منه من ذلك الوجه (١).
فإذا عرفت المقدّمات المذكورة ظهر لك أنّه لا محذور ولا مانع من اجتماع الأمر والنهي في الواحد المنطبق عليه العنوانان لأنّ الواحد المذكور معنون بعنوانين في موطن تعلّق الأحكام وهو الذهن فيكون متعلّق الأمر مغايرا مع متعلّق النهي وعليه فلا يلزم من التكليف بهما تكليف محال لتعدّد متعلّقهما كما لا يلزم من ذلك تكليف بمحال مع وجود المندوحة لإمكان امتثال الأمر في غير مورد التصادق ومع أماكن الامتثال بإتيان المأمور به في غير مورد التصادق وترك المنهي عنه بترك جميع أفرادها فالغرض من الأمر والنهي حاصل فلا وجه لدعوى لزوم نقض الغرض فتحصّل أنّ مقتضى عدم وجود المانع والمحذور هو صحّة القول بجواز اجتماعهما.
__________________
(١) نهاية الدراية : ج ٢ ص ١٠٦.