الانسباق إلى أذهان أهل اللسان كالأعشى والمبرّد أيضا سبيل هذا مضافا إلى انسباق ذلك إلى أذهان الذين سكنوا البلاد العربيّة سنوات متمادية كالأزهرى وغيره ويكفي لإثبات التبادر عند أهل اللسان ما حكاه المفسّرون من أهل الأدب العربي من الأقوال والأشعار فإنّها توجب الاطمئنان بذلك.
قال في مجمع البيان لفظة «إنّما» مخصّصة لما أثبت بعده نافية لما لم يثبت يقول القائل لغيره إنّما لك عندي درهم فيكون مثل أن يقول إنه ليس لك عندي إلّا درهم وقالوا إنّما السخاء حاتم يريدون نفي السخاء عن غيره والتقدير إنّما السخاء سخاء حاتم فحذف المضاف والمفهوم من قول القائل إنّما أكلت رغيفا وإنّما لقيت اليوم زيدا نفي أكل أكثر من رغيف ونفي لقاء غير زيد وقال الأعشى :
ولست بالأكثر منهم حصى |
|
وإنّما العزّة للكاثر |
أراد نفي العزّة عمّن ليس بكاثر (١) والأعشى أحد المعروفين من شعراء الجاهليّة.
وقال الزمخشري في ذيل قوله تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ راكِعُونَ) ويعني إنّما اختصاصهم بالموالاة (٢).
وأيضا تاج العروس والصحاح ظاهران في أنّ الحصر مما يفيده كلمة «إنّما» عند ابناء المحاورة وحمله على اجتهاداتهم بعيد جدّا.
ودعوى أنّ قوله تعالى : (إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ) مع أنّه لا شكّ في أنّ الحياة الدنيا لها أمثال أخرى يدلّ على عدم إفادة إنّما للحصر.
مندفعة أوّلا بأنّ الاستعمال بالقرينة في غير المعنى الموضوع له لا ينافي تبادر
__________________
(١) مجمع البيان : ٣ / ٢٠٩.
(٢) الكشّاف : ج ١ ص ٦٢٣.