الواحد المتعلّق بموضوع متعدّد يكون بعثا واحدا جدّيّا ، ولو لا ذلك لزم صدور البعث الواحد عن داعيين بلا جهة جامعة تكون هي الداعي ، فإذا كان البعث جدّيّا بالإضافة إلى الجميع فالحكم منبعث عن المصالح الواقعيّة الأوّليّة في غير مورد التخصيص والمصالح الثانويّة في مورد التخصيص ، بحيث ينتهي أمد المصالح الثانويّة بقيام المخصّص ، وعليه فالتخصيص يرفع الحكم الثابت الثانويّ ، وهذا هو معنى النسخ.
لأنّا نقول أوّلا ، لا ، إشكال في عدم لزوم كون الإنشاء بعثا حقيقيّا بالإضافة إلى بعض الأفراد مع وجود أداة العموم كلفظة «كلّ» في متعلّق الإنشاء مثل أكرم كلّ عالم ، لأنّ مع التعدّد لا مانع من أن يكون الداعي لفرد هو البعث الجدّيّ ولفرد آخر هو البعث على نحو ضرب القانون ، إذ لا يجتمع الداعيان في واحد ، ومعه فالتخصيص لا يشبه النسخ.
فالخاصّ المتأخّر عن العامّ فيما إذا كان بعد وقت حضور العمل بالعامّ يكون مخصّصا أيضا بالنسبة إلى العامّ لا ناسخا.
ويشهد له ظهور الخاصّ في مثل لا تكرم العالم الفاسق بعد أكرم العلماء في حرمة إكرام العالم الفاسق في الشرع من أوّل الأمر لا من هذا الحين وإن كان فعلية الحكم من هذا الحين ، وحيث إنّ هذا الظهور أظهر من ظهور أكرم العلماء يقدّم عليه ويخصّصه وإن كان متأخّرا عن العامّ ، فتدبّر جيّدا.
ورابعها : أن يكون العامّ واردا بعد الخاصّ وقبل حضور وقت العمل به ، ففي هذه الصورة يأتي ما مرّ في الصورة الثانية حرفا بحرف من تقديم التخصيص ، فيكون الخاصّ المتقدّم مخصّصا للعامّ المتأخّر حيث لا موجب للنسخ وإلّا لزم اللغويّة ، إذ جعل الحكم الخاصّ الوارد قبل العامّ ونسخه قبل حضور وقت العمل بالخاصّ لغو ، بل جمع بين المتنافيين بل يؤخذ بظهورهما في حكايتهما عن أنّهما حكمان شرعيّان من الابتداء لا من حين ورودهما ، فيقدّم الخاصّ على العامّ بعد ما عرفت من قوّة ظهوره