بناء العقلاء عن العلم كما لا يخفى.
وكيف كان فحيث إنّ البناء دليل لبّيّ يقتصر فيه بمورد العلم بقيام البناء عليه ولذا يمكن التفصيل كما في المحاضرات بين ما إذا كان الشكّ من جهة أنّ المتكلّم كان في مقام أصل التشريع أو كان في مقام بيان تمام مراده فيؤخذ بالاطلاق أخذا ببناء العقلاء وبين ما إذا شكّ من جهة سعة الإرادة وضيقها فلا يؤخذ بالإطلاق لعدم ثبوت البناء فيه فإذا علمنا بأنّ لكلامه إطلاقا من جهة ولكن نشكّ في إطلاقه من جهة اخرى كما في قوله تعالى : (فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ) حيث نعلم بإطلاقه من جهة أنّ حلّيّة أكله لا يحتاج إلى الذبح سواء كان إمساكه من محلّ الذبح أو من موضع آخر كان إلى القبلة أو إلى غيرها ولكن لا نعلم أنّه في مقام البيان من جهة اخرى وهي جهة طهارة محلّ الإمساك ونجاسته ففي مثل ذلك لا يمكن التمسّك بالإطلاق كما عرفت لعدم قيام السيرة على حمل كلامه في مقام البيان من هذه الجهة (١).
فلا يكفي كون المتكلّم بصدد البيان من جهة ، لجهة اخرى إلّا إذا كان بينهما ملازمة عقلا كصحّة الصلاة غفلة في نجس كالدم ولو كان من غير مأكول اللحم فإنّه يستلزم عقلا لعدم مانعيّة الدم من جهة كونه من غير مأكول اللحم إذ لا يمكن التفكيك بين كون الدم من غير مأكول اللحم معفوّا عنه من حيث النجاسة وبين عدم كونه معفوّا عنه من حيث كونه غير مأكول اللحم أو إلّا إذا كان بينهما ملازمة شرعيّة كملازمة الحكم بالقصر في الصلاة مع عدم وجوب الصوم أو إلّا إذا كان بينهما ملازمة عادية كملازمة جواز الشرب من سؤر الهرّة وإن كان فمه متلوّثا بالنجاسة مع الحكم بطهارة فمه بالإزالة.
وبالجملة حكم العقلاء بالإطلاق يكون فيما إذا سئل المتكلّم عن مورد الإطلاق
__________________
(١) المحاضرات : ٥ / ٣٦٩.