فلا شبهة في هذا الانصراف بنظر العرف ولا يمكن التمسّك بالإطلاق في مثل ذلك لفرض أنّ الخصوصيّة المزبورة مانعة عن ظهور المطلق في الاطلاق وتكون بمنزلة القرينة المتّصلة.
ومنها دنوّ مرتبة بعض أفرادها على نحو يكون صدقها عليه مورد الشكّ كصدق الماء على ماء الكبريت لأنّ المعتبر في التمسّك به هو أن يكون صدق المطلق على الفرد المشكوك فيه محرزا والشكّ إنّما يكون من ناحية اخرى وأمّا فيما لم يكن أصل الصدق محرزا فلا يمكن التمسّك به وما نحن فيه من هذا القبيل حيث إنّ أصل الصدق مشكوك فيه فلا يمكن التمسّك بإطلاق لفظ الماء بالإضافة إلى ماء الكبريت أو نحوه.
وأمّا الانصراف في غير هذين الموردين وما شاكلهما فلا يمنع عن التمسّك بالإطلاق فأنّه لو كان فإنّما هو بدويّ فيزول بالتأمّل ومن ذلك الانصراف المستند إلى غلبة الوجود فإنّه بدويّ ولا أثر له ولا يمنع عن التمسّك بالاطلاق حيث إنّه يزول بالتأمّل والتدبير (١).
يمكن أن يقال إنّ مجرّد علوّ المرتبة ودنوّها لا يوجب الانصراف وإلّا لزم أن نقول بذلك في مثل عنوان الإنسان بالنسبة إلى الأفراد العالية من الإنسان مع أنّ الانسان يشمل جميع الأفراد سواء كانوا من الأفراد العاليّة أو الدانية.
وهكذا مفهوم الشيء يشمل الدانيّ والعالي ولا وجه لاختصاصه بالدانيّ وانصرافه عن العالي وأيضا حصر مورد الانصراف في مورد العالي والدانيّ مع أنّه ليس كذلك في جملة الموارد كانصراف البيع في قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) إلى البيع
__________________
(١) المحاضرات : ٥ / ٣٧٢ ـ ٣٧٣.