الرابع : أنّ قضيّة مقدّمات الحكمة في المطلقات تختلف باختلاف المتعلّقات والمقامات فإنّها تارة تقتضي العموم البدليّ كما إذا كان متعلّق الأمر نكرة كقوله جئني برجل اذ لا يراد منه العموم الاستيعابي كما لا مجال لاحتمال الإهمال والإجمال فإنّه في مقام البيان وتارة تقتضي العموم الاستيعابي كما إذا كان متعلّق الحكم هو الجنس كقوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) إذ لا يناسب العموم البدلي كما لا مجال لاحتمال الإجمال والإهمال فإنّه في مقام البيان.
وتارة تقتضي نوع خاصّ من الوجوب كما إذا كانت صيغة الأمر مطلقة فإنّه يقتضي أن يكون المراد خصوص الوجوب التعيّني العينيّ النفسيّ فإنّ إرادة غيره تحتاج إلى مزيد بيان والمفروض عدمه لعدم التقيّد بقيد يفيد الوجوب التخييريّ أو الوجوب الكفائيّ أو الوجوب الغيريّ على تفصيل مضى في أنواع الوجوب فراجع.
الخامس : أنّ الطبيعة وإن كانت قابلة الانطباق على مصاديقها بنحو العرضيّة والطوليّة ولكن يختلف امتثالها في الأوامر والنواهي إذ البعث في الأوامر يكون إلى وجود الطبيعة وهو يصدق بإيجاد فرد ما فلا محالة ليس المطلوب بالفعل في الأوامر إلّا فردا واحدا من الطبيعة وحيث لم يتّخذ فيها قيد يدلّ بمقتضى مقدّمات الإطلاق على حصول الامتثال بأيّ فرد أتى به من الطبيعة المأمور بها ففي هذه الصورة نحتاج إلى مقدّمات الإطلاق في الاكتفاء بفرد دون فرد.
هذا بخلاف النواهي فإنّ النهي عن وجود الطبيعة يدلّ على الزجر عنه ولا يمتثل ذلك إلّا بانتفاء جميع الأفراد عقلا ومن المعلوم أنّ مع الدلالة العقليّة لا حاجة إلى مقدّمات الإطلاق بل الطبيعة في سياق النفي أو النهي يدلّ على العموم وبذلك يخرج عن الإطلاق هذا فيما إذا لم نقل بأنّ المأخوذ في متعلّق النواهي منصرف بكثرة الاستعمال إلى الطبيعة السارية كما ذهب إليه سيّدنا الاستاذ المحقّق الداماد قدسسره وإلّا فلا حاجة أيضا إلى مقدّمات الإطلاق لأنّ دلالة المتعلّق عليه تكون بالظهور اللفظي