المولى داخلة في عنوان الظلم ، وقبح الظلم وحسن العدل ليسا بمجعولين ؛ لأنّهما ممّا يدركه العقل ، ولذا نقول بوجود هذا الإدراك قبل وجود المجتمع البشري ؛ لملاءمة العدل مع العقل ومنافرة الظلم للعقل ، فلو فرض الإنسان منفردا أدرك أنّ مخالفة المولى في التكاليف يوجب استحقاق العقوبة من دون حاجة إلى بناء من العقلاء أو ورود نصّ من الشارع. ولا ينافي ذلك توقّف كيفيّة العقوبة أو كمّيّتها على بيان شرعيّ كما لا يخفى.
وكيف كان فلا حاجة في إثبات كون التنجّز من اللوازم القهريّة للقطع بالاستدلال كما في الدرر بلزوم التسلسل لو قلنا باحتياج ذلك إلى الجعل حيث قال : إنّ الحقّ عدم احتياجه إلى الجعل ، فإنّه لو قلنا باحتياجه إليه لزم التسلسل ؛ لأنّ الأمر بمتابعة هذا القطع لا يوجب التنجّز بوجوده الواقعي بل لا بدّ فيه من العلم ، وهذا العلم أيضا كالسابق يحتاج في التنجّز إلى الأمر ، وهكذا.
مضافا إلى أنّه لو فرضنا إمكان التسلسل لا يمكن تنجيز القطع ؛ لعدم الانتهاء إلى ما لا يكون محتاجا إلى الجعل. وهذا واضح. (١)
هذا مضافا إلى ما فيه من إمكان أن يقال إنّ التسلسل ممنوع لو فرضت القضيّة طبيعيّة ؛ لأنّها عمّت نفسها ، فالجعل الشرعي بقوله مثلا اتّبع قطعك بالأمر يشمل قطعه أيضا بقوله اتّبع قطعك بالأمر ، ومع الشمول المذكور لا حاجة في تنجيز القطع بقوله اتّبع قطعك بالأمر إلى الأمر الجديد ، كما لا حاجة في شمول كل خبرى صادق لنفسه إلى قضيّة اخرى ؛ ولذا اورد عليه في نهاية الدراية بأنّ توهّم لزوم التسلسل مدفوع بأنّه لو فرضت القضيّة طبيعيّة لعمّت نفسها أيضا من دون لزوم التسلسل (٢).
__________________
(١) الدرر ٢ : ٣٢٥.
(٢) نهاية الدراية ٢ : ٥.