الثبوت ... إلى أن قال :
ثانيتها : مرتبة إنشائه ، وقد بيّنّا أنّ الإنشاء إيجاد المعنى باللفظ إيجادا لفظيا بحيث ينسب الوجود الواحد إلى اللفظ بالذات وإلى المعنى بالعرض ، لا إليهما بالذات فإنّه غير معقول ، كما أنّ وجود المعنى حقيقة منفصلا عن اللفظ بآليّته غير معقول. وعليه ينبغي تنزيل ما قيل من أنّ الإنشاء قول قصد به ثبوت المعنى في نفس الأمر ، وإنّما قيّد بنفس الأمر مع أنّ وجود اللفظ خارجي ، وهو المنسوب إلى المعنى بالعرض ؛ لأنّ المعنى بعد الوضع كأنّه ثابت في مرتبة ذات اللفظ ، فيوجد بوجوده في جميع المراحل (١).
ثالثتها : مرتبة الفعليّة ، وفي هذه المرحلة يبلغ الحكم درجة حقيقة الحكميّة ، و
__________________
(١) ولا يخفى عليك أنّ ما ذكره المحقّق الاصفهاني قدسسره فى بيان حقيقة الإنشاء بعيد عن ظاهر الكلمات ، فإنّ الظاهر منها أنّ وجود الإنشائيّات منحاز عن وجود الألفاظ الإنشائيّة ، وإنّما اعتبر وجودها بآليّة الألفاظ الإنشائيّة. ودعوى عدم معقوليّة الوجود المنحاز كما ترى إذا الاعتبار خفيف المئونة وما ذكره من الوجود العرضي ليس هو معنى إنشائيّ بل هو موجود في كلّ لفظ استعمل في معناه استعمالا لغويّا إذ الموجود هو وجود الألفاظ ووجود المعنى وجود عرضيّ بوجود اللفظ الموضوع له وهذا أجنبيّ عن المعنى الإنشائيّ الذي يوجد بآلية ألفاظ الإنشاء في عالم الاعتبار عند العقلاء كسائر موارد الإنشاءات كإنشاء الوزارة والصدارة والنيابة والوكالة وغير ذلك والمراد من نفس الأمر هو عالم الاعتبار هذا مضافا إلى إمكان أن يقال إنّ وجود المعنى في الألفاظ المستعملة أيضا ليس وجودا عرضيّا فإنّ المقصود منه هو الوجود الانتقالي التبعي فإنّ من علم بالوضع إذا استعمل لفظ عنده انتقل من وجوده خارجا إلى المعنى اللغوي وهذا الوجود الانتقالي ليس وجودا خارجيّا وليس أيضا وجودا عرضيّا بل هو وجود ذهني منحاز عن وجود اللفظ في خارج والفرق بينه وبين الإنشاء أنّ المعنى في الإنشاء يوجد بوجود الألفاظ المستعملة بخلاف معنى الألفاظ فإنّه ينتقل من استماع الألفاظ إلى الأذهان فتدبّر جيّدا. وهذا هو الذي ينبغي أن يكون مرتبة من مراتب الأحكام لا الوجود العرضي الذي ليس هو في الحقيقة شيء كما لا يخفى.