يكون حكما حقيقيّا وبعثا وزجرا جدّيّا بالحمل الشائع الصناعي ، وإلّا فمجرّد الخطاب من دون تحريم وإيجاب إنشاء محض ... إلى أن قال : وإذا بلغ الإنشاء بهذه المرتبة تمّ الأمر من قبل المولى ، فيبقى الحكم وما يقتضيه عقلا من استحقاق العقاب على مخالفته تارة وعدمه اخرى. وما لم يبلغ هذه المرتبة لم يعقل تنجزه واستحقاق العقاب على مخالفته وإن قطع به ، لا لقصور في القطع وفيما يترتّب عليه عقلا ، بل لقصور في المقطوع حيث لا إنشاء بداعي البعث ، وجعل الداعي حتّى يكون القطع به مصحّحا لاستحقاق العقاب على مخالفته.
رابعتها : مرتبة التنجّز وبلوغه إلى حيث يستحق على مخالفته العقوبة ، وجعلها من درجات الحكم ومراتبه مع أنّ الحكم على ما هو عليه من درجة التحصّل ومرتبة التحقّق بلا ارتقاء إلى درجة اخرى من الوجود إنّما هو بملاحظة أنّ بلوغه إلى حيث ينتزع عنه هذا العنوان نشأة من نشآت ثبوته ، انتهى موضع الحاجة.
ثم أورد عليه بقوله هذا على مختاره دام ظلّه في مراتب الحكم ، وسيجيء إن شاء الله تعالى ما عندنا من أنّ المراد بالفعلي ما هو الفعلي من قبل المولى لا الفعلي بقول مطلق ، فمثله ينفكّ عن المرتبة الرابعة ، لكنّه عين مرتبة الإنشاء حيث إنّ الانشاء بلا داع محال ، وبداع آخر غير جعل الداعي ليس من مراتب الحكم الحقيقي ، وبداعي جعل الداعي عين الفعلي من قبل المولى ، وإن اريد من الفعلي ما هو فعلي بقول مطلق فهو متقوّم بالوصول ، وهو مساوق للتنجّز ، فالمراتب على أيّ حال ثلاث (١).
ولا يذهب عليك أنّ اقتضاء الطبيعة بملاحظة اقتضاء ما يترتّب عليها من الفائدة للوجوب اقتضاء ماهويّ ومساوق للاستعداد ، فلا ثبوت للحكم في هذه المرتبة إلّا بمعنى شأنيّة الحكم. ومن المعلوم أنّ شأنيّة الحكم ليست بحكم حقيقة ، فلا يصلح لأن يكون مرتبة من مراتب الحكم ، والقطع به قطع بشأنيّة الحكم. ومن
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ٦ ـ ٧.