تكون حجيّة القطع ذاتيّة أم لا؟
هنا أقوال.
أحدها : أنّ تأثير القطع في الحجّيّة بمعنى تنجّز التكليف واستحقاق العقوبة على المخالفة لازم للقطع ، وصريح الوجدان شاهد على ذلك.
ولعلّ الوجه فيه أنّ مخالفة التكليف المجهول لا توجب استحقاق العقوبة بحكم العقل ، بل الشرط في تأثيرها في ذلك ، هو القطع بالتكليف ، فالقطع شرط في تأثير المخالفة في حكم العقل باستحقاق العقوبة ، فهذا الشرط كسائر الشروط التكوينيّة لا يتوقّف تأثيره على شيء آخر غير وجود المقتضى. فإذا انضمّ هذا الشرط إلى وجود المقتضي ، فالتأثير لازم قهرا من دون حاجة إلى جعل شرعيّ أو عقلائيّ إذ القطع يجعل المخالفة مصداقا لهتك حرمة المولى ، ومن المعلوم أنّه ظلم ، وقبح الظلم ذاتيّ وليس بمجعول.
نعم المنجّزيّة لا تكون من لوازم ماهيّة القطع ، بل هي من لوازم وجود القطع ، فإذا حصل القطع للإنسان ، يحكم العقل بترتّب استحقاق العقوبة على المخالفة.
هذا كلّه بالنسبة إلى المنجّزيّة ، وأمّا المعذّريّة ، فظاهر العبارات أنّها كذلك ، إذ العقل يحكم بعدم استحقاق العقوبة عند عدم مصادفة قطعه للواقع.
ثانيها : أنّ استحقاق العقوبة ليس من الآثار القهريّة واللوازم الذاتيّة لمخالفة التكليف المعلوم قطعا ، بل من اللوازم الجعليّة من العقلاء ، لأنّ حكم العقل باستحقاق العقوبة ليس ممّا اقتضاه البرهان ، بل من القضايا المشهورة التي تطابقت عليها آراء العقلاء لعموم مصالحها ، ومخالفة أمر المولى هتك لحرمته وهو ظلم عليه ، والظلم قبيح ، أي ممّا يوجب الذمّ والعقاب عند العقلاء ، فدخل القطع في استحقاق العقوبة جعليّ عقلائيّ لا ذاتيّ قهريّ كسائر الأسباب الواقعيّة والآثار القهريّة.
فإذا عرفت أنّ الحجّيّة بمعنى المنجّزيّة من اللوازم الجعليّة العقلائيّة ، فبناء على