أنّ جعل العقاب من الشارع يصحّ القول بجعل المنجّزيّة للقطع شرعا ، من دون لزوم محذور.
يمكن أن يقال ، إنّ استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف المعلوم من جهة كونها هتك لحرمة المولى لا يحتاج إلى تطابق الآراء ، بل العقل مدرك لذلك ، ولو لم يكن اجتماع لأنّه من مصاديق قبح الظلم ، وقبح الظلم كحسن العدل أمر ثابت ولو لم يكن اجتماع أو لم يوجب اختلالا في النظام ، وذلك لملاءمة العدل مع القوّة العاقلة ومنافرة الظلم معها وهي تكفي في إدراج القضيّة في اليقينيّات.
هذا مضافا إلى أنّ الأوامر الشرعيّة ليست بتمامها دخيلة في حفظ النظام ، فتدبّر.
ثالثها : أنّ الصحيح أنّ حجّيّة القطع من لوازمه العقليّة بمعنى أنّ العقل يدرك حسن العمل به وقبح مخالفته ويدرك صحّة العقوبة عند المخالفة لقطعه ، لا بمعنى إلزام العقل أو تحريكه وبعثه.
ثمّ إنّ إدراك العقل لذلك لا يكون بجعل جاعل أو بناء من العقلاء ، لتكون الحجّيّة من الامور المجعولة ، أو من القضايا المشهورة.
بل هو من الامور الواقعيّة الأزليّة ، كما هو الحال في جميع الاستلزامات العقليّة وتحرّك الإنسان ، نحو ما يراه نفعا له ، أو ابتعاده ممّا يراه ضررا عليه ليس بإلزام من العقل بل السبب فيه حبّ النفس ولا اختصاص لذلك ، بالإنسان ، بل كلّ حيوان يكون كذلك بفطرته ، وهذا التحريك تكوينيّ لا بعث تشريعيّ.
ولا يخفى عليك ، أنّ القول الثالث يشبه القول الأوّل ، والفرق بينهما في أنّ القول الأوّل ظاهر في أنّ العقل حكم بذلك دون القول الثالث ، فإنّه صريح في عدم حكم العقل بذلك وهو الصحيح ولكن حركة الإنسان غير حركة الحيوان ، فإنّ الحركة في الإنسان ناشئة عن الإدراك ، كإدراك الاستلزامات بخلاف الحيوان فإنّه في الغالب