الكبرى مسلّمة ولا كلام فيها ، وإنّما الكلام في صغراها ، إذ قلّما يوجد مورد يعلم العقل بعدم المزاحم كموارد المستقلّات العقليّة ، كحسن العدل وقبح الظلم ، لأنّ العقل لا يحيط بالمصالح الواقعيّة ، والمفاسد النفس الأمريّة ، والجهات المزاحمة لها. ولذا ورد في الروايات : أنّ دين الله لا يصاب بالعقول ، وأنّه ليس شيء أبعد عن دين الله من عقول الرجال.
وإن كان المراد بها إدراك العقل في ناحية معلومات الأحكام الشرعيّة ، كحسن الطاعة وقبح المعصية وقبح التجرّى وحسن الانقياد ، فإنّ حكم العقل فيها فرع ثبوت الحكم الشرعيّ المولوي ، فقاعدة الملازمة أجنبيّة عنه. هذا مضافا إلى لغويّة الجعل الشرعي مع وجود الحكم العقلي.
ودعوى أنّ كلّما كان الشارع يهتمّ بحفظ الملاك ، بأكثر ممّا يقتضيه الحسن والقبح من الحفظ الذاتيّ ، وكان ذلك أي الحفظ المذكور يحصل بجعل الشارع أمكن استكشاف جعل شرعي ، في مورد الحكم العقليّ من غير فرق بين أن يكون حكم العقل في مرتبة علل الأحكام أو في سلسلة معلولاتها.
ففي مسألة التجرّي يمكن للشارع جعل خطاب تحريميّ له لكي يحفظ ملاكات أحكامه الواقعيّة بمرتبة جديدة وزائدة من الحفظ ولو في حقّ من تنجّز عليه التكليف الواقعي بغير العلم ، فإنّه علم بحرمة التجرّي عليه على كلّ حال فقد يتحرّك ولا يقدّم على ارتكاب المخالفة ، لأنّ للانقياد والتحرّك عن خطابات المولى درجات ، فقد ينقاد المكلّف في موارد العلم بالتكليف ولكنّه لا ينقاد في موارد الاحتمال أو الظّنّ وإن كان منجّزا عليه بحكم العقل ، فيكون جعل حرمة التجرّي لمزيد الحافظيّة وسدّ أبواب العدم بهذا الخطاب ، وفي هذه المرتبة فلا لغويّة أصلا.
مندفعة بأنّ إمكان ترتّب الفائدة على الحكم الشرعيّ أحيانا لا إنكار له ، ولكن ذلك لا يكفي للحكم بالملازمة بين الحكم العقليّ والشرعيّ لجواز اكتفاء الشارع