استحقّ العقوبة.
التنبيه الخامس :
أنّ العقل كما عرفت يحكم باستحقاق العقوبة عند مخالفة الله تعالى بإتيان المنهيّ عنه أو ترك المأمور به ؛ فأنّ نفس المخالفة هتك للمولى. هذا بالنسبة إلى مخالفة المولى واستحقاق العقوبة ، وأمّا بالنسبة إلى الإطاعة واستحقاق المثوبة فلا حكم للعقل باستحقاق المثوبة عند الانقياد له تعالى سواء أصاب مع الواقع أو لم يصب ؛ لأنّ المطيع أدّى وظيفته كما لا استحقاق للمثوبة في إطاعة المملوك لمولاه خصوصا في المملوك الذي كان جميع ما له من الوجود وما يتعلّق به من مولاه.
نعم ، يصير بذلك لائقا للتفضّل من مولاه. وعليه ففي مورد صدق المخالفة والهتك ولو بالتجرّي يحكم العقل باستحقاق العقوبة ، وأمّا في مورد صدق الموافقة والانقياد فلا حكم للعقل باستحقاق المثوبة وإن حكم بلياقة المطيع للتفضّل. وممّا ذكر يظهر ما في بعض العبارات من جعل العقل حاكما في البابين.
التنبيه السادس : أنّ حكم التجرّي يختلف شدّة وضعفا باختلاف حال المتجرّي واختلاف المنجّز احتمالا وظنّا وعلما واختلاف المتجرّي به قال في الوقاية : أنّ حكم التجرّي يختلف شدّة وضعفا مع اتّحاد المتجرّي به من جهات مختلفة فالتجرّي من العالم أو الشيخ المسنّ أشدّ من الجاهل أو الشابّ ، كما أنّ التجرّي مع الشكّ أقوى منه مع الاحتمال وأضعف من الظنّ ، ولكنّه يختلف إذا قست المحرّمات بعضها ببعض ، فالتجرّي بالإقدام الاحتمالي على قتل المؤمن أشدّ من الإقدام الظنّيّ على قتل حيوان محترم ، وهو بالإقدام مع الشكّ على وطى المحصنة أشدّ من الإقدام على وطي الحليلة الحائض ظنّا (١).
__________________
(١) الوقاية : ٤٦٧.