ودعوى بداهة وحدة العقوبة مندفعة بأنّ ذلك فيما إذا لم يتجرّأ على المعصية بقصدها ، وإنّما أتى بالمعصية فقط ، وإلّا فلا وجه لوحدتها. نعم ، أمكن عفو الشارع عن ذلك ، وهو أمر آخر.
ومما ذكرنا أيضا يظهر ما في نهاية الدراية حيث فسّر التداخل في كلام صاحب الفصول بالتداخل في الأثر. (١)
وذلك لما عرفت من أنّ المراد من التداخل في كلامه هو تداخل السببين ، لا تداخل الأثر ، وقول صاحب الفصول بعد فرض التداخل «عدّا معصية واحدة» لا يكون ظاهرا في أنّ مراده هو تداخل الأثر ؛ لأنّ السببين المذكورين في كلامه من المعصية والتجرّي إذا تداخلا عدّا معصية واحدة.
وكيف كان ، فقد ظهر ممّا قدّمناه أنّ في صورة التجرّي على المعصية باللحاظ الاستقلالي والاتيان بالمعصية فمع المصادفة تحقّق السببان لاستحقاق العقوبة من دون تداخل ، ومقتضى ذلك هو تعدّد استحقاق العقوبة ، هذا بخلاف ما إذا عصى واتّفق المصادفة فإنّ السبب فيه واحد وإن لم يخل العصيان عن العزم على مصداق المعصية باللحاظ الآلي. هذا هو مقتضى حكم الوجدان ، كما لا يخفى.
ودعوى الإجماع على الخلاف في المسائل العقليّة كما ترى. هذا ، مضافا إلى أنّ الإجماع محتمل المدرك. نعم ، لا بأس بدعوى الإجماع على العفو الشرعيّ عن إحدى العقوبتين فإنّه لا ينافي استحقاق تعدّد العقوبة عقلا ، بل هو مؤكّد للاستحقاق ، كما لا يخفى.
التنبيه الثامن :
أنّ الذي يحكم به العقل في التجرّي هو استحقاق العقوبة في الجملة ، وأمّا
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ١٤.