وخامسا : أنّ العلم الحاصل من القياس ومنع العمل به ليس لأجل أنّه مانع عن ثبوت الأحكام به بل لأجل قصور عقول البشر عن الاطّلاع على الأحكام الواقعيّة وكذلك الاستحسانات ولذا ورد في بعض الأخبار أنّه قال لأبي حنيفة «أتزعم أنّك تقيس قال : نعم فقال عليهالسلام : البول أشدّ نجاسة أو المنيّ؟ قال : البول. فقال عليهالسلام : فلم لا يوجب البول الغسل ويوجبه المنيّ (١).
وأمّا ما ذكره من تقييد العلم بعدم حصوله من الرمل والجفر ونحوهما ففيه أنّ العلم طريق إلى الواقع وحجّة مطلقا من أيّ سبب حصل (٢).
يمكن أن يقال إنّ حجّيّة القطع وحكم العقل بقبح مخالفة التكاليف المقطوع ما دام لم يعرض على المقطوع عنوان آخر يخرجه عن مصداقيّة الظلم وإلّا فعروض العنوان المذكور يوجب تعنون المخالف بعنوان آخر أهمّ كالاحتراز عن الوسوسة أو الاجتناب عن القياس فيحكم العقل حينئذ بعدم الحجّيّة وعدم المعذوريّة لو أتى بموافق المقطوع (٣).
وأمّا الثاني أي أخذ القطع بالحكم في موضوع الحكم المماثل فقد صرّح في الكفاية بأنّ ذلك لا يمكن ؛ للزوم اجتماع المثلين (٤).
وتقريب امتناع اجتماع المثلين ـ فيما إذا قيل إن قطعت بحرمة الخمر حرمت عليك بحرمة أخرى ـ بأن يقال اجتماعهما في موضوع واحد إمّا بالتزام تعدّدهما أو بالتزام تأكّدهما ، وكلاهما مستحيل.
أمّا استحالة الأوّل ؛ فلأنّ الأحكام كالأعراض بلحاظ موضوعاتها ، فكما أنّ
__________________
(١) الوسائل : الباب ٦ من أبواب صفات القاضي ، ح ٢٧.
(٢) تنقيح الاصول : ٣ / ٤٣.
(٣) راجع الجهة الثالثة من الجهات السابقة.
(٤) الكفاية ٢ : ٢٥.