لا يعقل انتزاع ما لا منشأ له ، فتدبّر جيّدا (١).
ويمكن الجواب عن الأوّل بأنّا لا نسلّم كون الأحكام كالأعراض ؛ فإنّ الأعراض من الواقعيّات والأحكام من الاعتباريّات. فإن كان الكلام بلحاظ عالم الجعل فلا يلزم محذور اجتماع المثلين بعد كونهما من الاعتباريّات ، وهي خفيفة المئونة ويعتبرها العقلاء عند وجود المصحّح لذلك. وإن كان الكلام بحسب مبادئ الحكم من الإرادة والكراهة ففيه أنّ تعدد المصلحة لا يوجب تعدّد الإرادة المستقلّة في الداعويّة ، بل يصير منشأ لحصول إرادة أكيدة ، والإرادة الأكيدة توجب إنشاء البعث المؤكّد أو توجب الإنشاءين اللذين يفيدان تأكّد البعث. وإن كان الكلام بحسب المنتهى أعني مقام الامتثال امتنع تحقّق داعيين مستقلّين نحو فعل واحد لعدم قابليّة المحلّ ، بل يؤول الخطابان إلى تأكّد الداعي والحكم ، كما يشهد له تأكّد الداعي والحكم في مجمع العنوانين كقولهم أكرم العالم وأكرم الهاشمي ، ولذا لم يقل أحد في المجمع بلزوم الإكرامين ، ولم يذهب أحد إلى خروج المورد عن كلا الحكمين ؛ لاستلزام اجتماع المثلين
ودعوى استحالة توحّد الحكمين الطوليين وتأكّدهما ؛ لأنّ ذلك يوجب تأخّر المتقدّم وتقدّم المتأخّر بحسب عالم الرتبة ، وهو مستحيل
مندفعة بما أفاد في مباحث الحجج والاصول من أنّ التأخّر والتقدّم بين الحكمين في المقام من التقدّم والتأخّر بالطبع لا بالعلّيّة ؛ لوضوح أنّ الحكم الأوّل ليس علّة للحكم الثاني ، وتوحّد المتأخّر بالطبع مع المتقدّم بالطبع لا محذور فيه ، كما هو الحال في الجزء والكلّ والجنس والنوع (٢).
وممّا ذكر يظهر أنّه لا فرق في ذلك بين أن يكون القطع تمام الموضوع أو جزء
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ٢٣ ـ ٢٤.
(٢) مباحث الحجج والاصول ١ : ١٠١.