وثانيا : بما أفاده الشيخ الأعظم قدسسره أيضا من أنّا سلّمنا مدخليّة تبليغ الحجّة في وجوب الإطاعة لكنّا إذا علمنا إجمالا بأنّ حكم الواقعة الفلانيّة لعموم الابتلاء بها قد صدر يقينا من الحجّة مضافا إلى ما ورد من قوله عليهالسلام في خطبة حجّة الوداع : «معاشر الناس ما من شيء يقرّبكم إلى الجنّة ويباعدكم عن النار إلّا أمرتكم به ، وما من شيء يقرّبكم إلى النار ويباعدكم عن الجنّة إلّا وقد نهيتكم عنه» ثم أدركنا ذلك الحكم إمّا بالعقل المستقلّ أو بواسطة مقدّمة عقليّة نجزم من ذلك بأنّ ما استكشفناه بعقولنا صادر عن الحجّة صلوات الله عليه ، فيكون الإطاعة بواسطة الحجّة (١) :
وثالثا بأنّ مع تسليم إطلاق الروايات المذكورة لإدراكات العقليّة البديهيّة يمكن أن يقال إنّها معارضة بما دلّ على لزوم اتّباع العلم. ومقتضى كون النسبة بينهما هي عموم من وجه هو التساقط ، ويرجع حينئذ إلى ما حكم به العقل من وجوب اتّباع القطع ، فلا تغفل. لا يقال : لا مجال للرجوع إلى ما حكم به العقل من وجوب اتّباع القطع ، لأنّ ما ورد في الشرع من باب الإرشاد إلى الحكم العقليّ ، فمع التعارض بين الأدلّة الشرعيّة الدالّة على الإرشاد إلى الحكم العقليّ لا بقاء للحكم العقليّ حتّى يرجع إليه لأنّا نقول : إنّ التعارض بين الإرشادين ، ومع التساقط يبقى الحكم العقليّ على ما هو عليه كأنّه لم يرشد إليه ، فيمكن الرجوع إليه :
فتحصّل أنّه لا مجال للنهي عن العمل بالقطع فيما إذا لم يعرض عنوان أهمّ يزاحم حكم العقل ، وإلّا لزمت المناقضة بين مكشوف القطع والنهي الوارد والترخيص في المعصية كما لا يخفى. نعم كثيرا ما لا يحكم العقل باعتبار مناطات الأحكام ؛ لعدم إحاطته بجميع جهات المصالح والمفاسد والمزاحمات والموانع.
وبالجملة : إن أراد الأخباريّون منع الصغرى أي وجود الحكم العقلي في كثير
__________________
(١) فرائد الاصول : ١١ ـ ١٢ ، ط قديم.