الحيوان عند فري أوداجه الأربعة بقرينة أنّ فري الأوداج لإزهاق الروح ليس بقياس بل هو أيضا تنقيح موضوع الدليل.
وأمّا تنقيح المناط القطعي فإن كان مبنيّا على المشابهة والمقايسة فقد عرفت أنّه نفس القياس ، والقياس بإطلاقه منهيّ عنه ، وإن كان ظاهر بعض العبارات أنّه غير منهيّ لا سيّما قياس الأولويّة في المناط ، ولعلّه لذا قال الإمام الصادق عليهالسلام لابي حنيفة ويحك أيّهما أعظم قتل النفس أو الزنا؟ قال : قتل النفس. قال : فإنّ الله عزوجل قد قبل في قتل النفس شاهدين ولم يقبل في الزنا إلّا أربعة ، ثمّ قال عليهالسلام ـ : أيّهما أعظم الصلاة أو الصوم؟ قال : الصلاة. قال : فما بال الحائض تقضي الصيام ولا تقضي الصلاة فكيف يقوم لك القياس؟! فاتّق الله ولا تقس (١).
وإن كان مبنيّا على كشف العلل الواقعية الشرعيّة بالعقل المحيط فهو ليس بقياس ، بل هو كشف العلّة ، ولكنّه قليل التحقّق والوقوع ، ولا أقلّ من الشكّ فلا تشمله الأدلّة الناهية عن القياس.
ثمّ إنّ علماء اهل السنّة سلكوا في الاستنباط مسالك تسعة :
الأوّل : النصّ على العلّة ، والثاني : الإيماء بأقسامه ، الثالث : الإجماع ، الرابع : المناسبة بين الوصف والحكم ، الخامس : الشبه ، السادس : الدوران كالدوران بين المعنى اللغوي والعرفي ونحوهما ، السابع : السّبر والتقسيم ، الثامن : الطّرد وهو إلحاق الشيء بالأعمّ الأغلب ، التاسع : تنقيح المناط. (٢)
وعلماءنا لا يسلكون المسالك المذكورة إلّا بمقدار ما استفادوه من النصوص ولو كان ظنّيّا ؛ لأنّ ظهور الألفاظ مقطوع الحجّيّة بخلاف غيرها فإنّها ظنّيّات غير
__________________
(١) جامع الأحاديث ١ : ٨٧.
(٢) المدخل : ١٧٥ ـ ١٧٦.