وممّا ذكرناه يظهر أنّا لا ننكر أنّ الوصول الّذي هو شرط التنجيز هو الأعمّ من التفصيلي والإجمالي ، ولا نقول بتوقّف التنجيز على العلم التفصيلي ؛ إذ لا عذر مع العلم الإجمالي في مخالفة المعلوم بالإجمال ، ولكن مع ذلك نقول : يصحّ للشارع أن يمنّ على المكلّفين برفع تكليفه في المعلوم بالإجمال ؛ لشوبه مع الشك دون العلم التفصيلي ، ولا يلزم من الامتنان المذكور خلف ؛ فإنّه لا يؤوّل إلى جعل العلم التفصيلى شرطا في التنجيز حتّى يكون خلفا في كون العلم الإجمالي كالعلم التفصيلي في التنجيز ، بل هو رفع المنجّز امتنانا كما لا يخفى.
وينقدح ممّا ذكر ما في نهاية الدراية حيث قال : لا يعقل جعل الجهل التفصيلي عذرا عقلا ولا شرعا إلّا مع التصرّف في المعلوم ، وهو خلف. ومرجعه إلى جعل العلم التفصيلي شرطا في بلوغ الإنشاء الواقعي إلى درجة الحكم الفعليّ الحقيقي أو جعل الجهل التفصيلي مانعا عن بلوغه كذلك ، وهو في حدّ ذاته أمر معقول لا يخصّ العلم الإجمالي ، بل يمكن إجراؤه في العلم التفصيلي أيضا بأن يكون العلم التفصيلي الخاص شرطا في بلوغ الحكم إلى درجة الفعليّة ، وإلّا فالوصول الذي هو عند التحقيق شرط البعث الحقيقي هو الأعمّ من التفصيلي والإجمالي. (١)
وذلك لما عرفت من أنّ للشارع أن يمنّ على المكلّف برفع تكليفه مع تنجيزه تسهيلا عليه ، فلا يرجع ذلك إلى جعل العلم التفصيلي شرطا في التنجيز أو الجهل التفصيلي مانعا بل الشارع يرفع المنجّز أو الفعلي من باب الامتنان لمصلحة التسهيل بعد عروض الشكّ ، هذا بخلاف العلم التفصيلي ؛ فإنّ العقل لا يجوز الترخيص فيه ، لعدم عروض الشكّ ، والترخيص من دون وجود مصلحة خلاف الحكمة ولا يصدر من الحكيم المتعال.
__________________
(١) نهاية الدراية ٢ : ٣٢.