على خلاف القواعد والاصول المنجّزة عليه التكليف ظاهرا حجّة قائمة على الرخصة ، والاستناد إنّما يتحقّق لو علم بوجود الحجّة المذكورة ، فلا يتحقّق الاستناد إليه بمجرّد وجودها الواقعي مع عدم العلم بها.
فتحصّل : أنّ وجود الحجّة الواقعيّة المجهولة لا يؤثّر شيئا في مرحلة التنجيز والإثبات ، إلّا في صورة واحدة وهي ما إذا كانت موجودة وكان المكلّف يظفر بها لو تفحّص ، وأمّا في مرحلة الإسقاط فلا يؤثّر شيئا أصلا في شيء من الصور. (١)
حاصله : أنّ اللازم هو الاستناد في المعذّر دون المنجّز ، فإنّ معيار صحّة العقاب هو وجود البيان ، والمفروض أنّه متحقّق بحيث لو تفحّص عنه لظفر به وهو كاف في التنجيز والمؤاخذة ، هذا بخلاف المعذّر فإنّه لا يكفي بوجوده الواقعي ، بل يحتاج إلى الاستناد ، والمفروض أنّه لم يستند إليه. وعليه فمن علم إجمالا بوجوب الظهر أو الجمعة عليه فلم يأت بالظهر مثلا وكان هو الواجب واقعا يصحّ أن يعاقب عليه وإن كان بحسب الواقع دليل على عدم وجوبه بحيث لو اطّلع عليه لكان حجّة له على المولى (٢).
ويمكن أن يقال : إنّ العلم الإجمالي مؤثّر في وجوب الاحتياط في جميع الأطراف لو لم يرد في بعضها بيان لعدم وجوبه وإلّا انحصر تأثيره في الوجوب في الطرف الآخر ، والمفروض في المقام كذلك ؛ فإنّ الحجّة المجهولة التي لو تفحّص عنها لظفر بها بيان لعدم وجوب الظهر ولا توقّف لكونه بيانا على الاستناد كما لا يخفى. ومعه لا تأثير للعلم الإجمالي بالنسبة إليه. وعليه فلا وجه لمؤاخذته بالنسبة إلى ترك الظهر ، بل يكون قبيحا ؛ لأنّه عقاب بلا بيان بل عقاب مع البيان على الخلاف ، فالبيان
__________________
(١) اصول الفقه لشيخنا الاستاذ الأراكي قدسسره ١ : ٤٨٠ ـ ٤٨٣.
(٢) الدرر : ٣٥٦.