ثالثتها : إنّه إذا عرفت بما لا مزيد عليه ، عدم إمكان أخذ قصد الامتثال في المأمور به أصلا ، فلا مجال للاستدلال بإطلاقه ـ ولو كان مسوقا في مقام البيان ـ
______________________________________________________
محذور اتّحاد الحكم والموضوع.
نعم قد يقال ـ كما عن المحقّق النائيني قدسسره ـ : أنّه كما لا يمكن أخذ قصد التقرب ـ بمعنى قصد الفعل بداعي الأمر المتعلّق به ـ في المتعلّق ، كذلك لا يمكن أخذ سائر وجوه القربة في متعلّق الأمر ؛ وذلك لأنّ الدواعي كلّها في عرض واحد ، بمعنى كونها في مرتبة سابقة على إرادة الفعل وتنشأ منها إرادة الفعل ، وإذا كان الأمر كذلك ، فيستحيل تعلّق الأمر بالفعل بداع خاصّ منها ، أو بالجامع بينها ، وذلك لأنّ إرادة العبد الناشئة من داع ما تتعلّق بالفعل ولا تتعلّق بالداعي ، وإذا استحال تعلّق الإرادة التكوينية بشيء ، استحال تعلّق الإرادة التشريعية به ، فإنّ ما تتعلّق به الإرادة التكوينية من العبد يتعلّق به أمر المولى ، ومن الظاهر أنّ إرادة العبد تتعلق بنفس العمل لا بالداعي الموجب لإرادة العمل ، حيث إنّ الإرادة متأخّرة عن الداعي ، فكيف تتعلّق الإرادة المتأخّرة بالداعي المتقدم عليها؟ وإذا كان الأمر في الإرادة التكوينية كذلك ، فالإرادة التشريعية ـ يعني أمر المولى ـ أيضا كذلك فإنّها تتعلّق بنفس ما تتعلّق به إرادة العبد لا بالداعي الموجب لإرادته (١).
ولكن لا يخفى ما فيه ، فإنّ الداعي الموجب لإرادة الفعل واختياره لا يدخل في متعلّق تلك الإرادة والاختيار ، وأمّا تعلّق إرادة واختيار أخرى بذلك الداعي فلا محذور فيه ، ولو كان في ذلك محذور لما أمكن للمحقّق النائيني قدسسره الالتزام بتعلّق الأمر الثاني في العبادات باستناد الإتيان بالعمل إلى داعوية الأمر الأوّل المتعلّق
__________________
(١) أجود التقريرات : ١ / ١٠٩.