العلم بهذا أعلى وأجلّ من العلم بمجرّد أسمائها ، لأنّها إنّما يؤتى بها لتبيين المسمّيات فهي المقصودة بالذات وتلك بالوسيلة وشتان ما بينهما.
ونظير ذلك أن المقصود من خلق آدم صلّى الله عليه وسلّم انّما هو خلق نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم من صلبه ، فهو المقصود بطريق الذّات وآدم بطريق الوسيلة ، ومن ثمّ قال بعض المحققين : إنّما سجد الملائكة لأجل نور محمد صلّى الله عليه وسلّم الذي في جبينه ... ».
وقال الشيخ خالد الأزهري شارحا قول البوصيري :
« فاق النبيين
في خلق وفي خلق |
|
ولم يدانوه في
علم ولا كرم |
وكلّهم من رسول
الله ملتمس |
|
غرفا من البحر
أو رشفا من الديم |
وواقفون لديه
عند حدّهم |
|
من نقطة العلم
أو من شكلة الحكم » |
قال الأزهري : « ومعنى الأبيات الثلاثة : إنّه صلّى الله عليه وسلّم علا جميع النبيين في الخلقة والسجيّة ، ولم يقاربوه في العلم ولا في الكرم ، كما سيأتي بيانه في قوله : يا أكرم الرسل ، وفي قوله : ومن علومك علم اللوح والقلم. وكلّ النبيّين أخذ من علم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مقدار غرفة من البحر أو مصّة من المطر الغزير ، وكلّهم واقفون عند غايتهم من نقطة العلم أو من شكلة الحكم ، وخصّ الشكلة بالحكم لزيادة التفهيم بها على النقطة » (١).
وكذا قال العصام بشرح الأبيات المذكورة في ( شرح البردة ) فقال في شرح الأول : « قال : لم يدانوه ـ ولم يقل : لم يدانه كلّ واحد منهم ، لأنّ ذلك أبلغ ، إذ معناه أنهم لو جمعوا وقوبلوا بمحمّد عليه الصّلاة والسّلام وحده لم يدانوه ، فكيف لو قوبل واحد بواحد ... وفي قوله : في كرم ـ دلالة على أنهم لا يدانوه في علم وحده ولا في كرم وحده ، لا أنهم لا يدانوه في العلم والكرم من حيث المجموع »
__________________
(١) شرح البردة الأزهري : ٦٣.