اضطراب الأمور ، ولم يوقفه على الكتاب حتى فتحت دمشق وكان خالد على عادته في الإمرة وأبو عبيدة يصلّي خلفه ».
وهذا العذر غير مقبول كذلك لوجوه :
( الأول ) : لو كان هناك خوف من اضطراب أمر المسلمين لما صدر هذا الأمر من عمر ، إذ لا يشكّ أهل السّنة في بصيرة عمر بأمور الرّعية وإدارة الدولة ، بل ظاهر كلماتهم تقدّمه على أبي بكر في هذا الشأن.
( الثاني ) : لو كان الخوف من اضطراب الأمور هو العذر الحقيقي لأبي عبيدة ـ في كتم الحال عن خالد ـ لما غضب عمر من ذلك ، بل كان يستحسن ذلك من أبي عبيدة ويشكره عليه ، وقد ذكر الواقدي أن عمر قال : « يا ابن قرط : ما علم المسلمون بموت أبي بكر الصديق ولا بولايتي عليهم أبا عبيدة؟ قال : لا ، فغضب وجمع الناس إليه وقام على المنبر ... ».
( الثالث ) : إنّه لو فرض بأنّ غضب عمر كان على عادته في الغلظة والفظاظة ، وأنه لو كان قد علم بهذا العذر من أبي عبيدة لما غضب ، لكان على عبد الله بن قرط أن يخبر عمر بواقع العذر ليمنعه عن هذا الغضب ، ولكنّا لم نجد لذلك أثرا في التّاريخ ، وذلك دليل على بطلان هذا الاعتذار.
( الرابع ) : أنّه لو سلّم هذا العذر باعتبار أنّ الظروف لم تكن مساعدة للإخبار بالعزل والمسلمون محاصرون لدمشق ، فلو أخبر احتمل اضطراب أمورهم وضعف عزائمهم ... فإنه لا محال لهذا العذر في كتم الكتاب الثاني الذي أرسله عمر بعد فتح دمشق ، ولكنّ أبا عبيدة كتم الحال عن خالد ، حتى كتب خالد بفتح الشام وما جرى من الأمور باسم أبي بكر ، وأرسل الكتاب على يد عبد الله بن قرط الذي حمل الكتاب الأول من عمر إلى أبي عبيدة ، ومن هنا لما وجد عمر الكتاب باسم أبي بكر خاطب عبد الله بقوله : « يا ابن قرط ... » وغضب من ذلك غضبا شديدا ...
فظهر بطلان هذا العذر أيضا كسابقه ...