الألباب ، قد تبادروا إلى ركوب الدواب ، ولسان حالهم يشهد عليهم أنهم غافلون عن رب الأرباب. فقلت لهم : لو أن هذه الدواب تكلمت وقالت لكم : إنما سخرت لكم لأجل ما وهبكم الله تعالى من العقول ، وشرفكم به من التكليف المقبول ، فإذا كنتم قد اطرحتم في ركوبي حكم العقل وأدب النقل ، وركبتم بالطبع والغفلات ، فقد صرتم مثلي في سلوك الطرقات ، فينبغي في العدل والانصاف ، أن تجروا أنفسكم مجرى الدواب ، وتركبوني تارة وأركب عليكم تارة ، وإلا فأنا ماسخرت لأمثالكم ممن قد عزل الله ـ جل جلاله ـ عن ربوبيته ، وأسقط حق نعمته. وعرفتهم ما حضرني من كيفية السفر الذي يكون طاعة للمراضي الالهية.
فصل : وحيث قد ذكرنا حديث الدواب ، فلنذكر بعض ما روي في ابتداء وجودها :
فذكر محمد بن صالح ـ مولى جعفر بن سليمان ـ في كتاب (نسب الخيل) في حديث عن ابن عباس : أن إسماعيل عليهالسلام لما بلغ أخرج الله له من البحر مائة فرس ، فأقامت ترعى بمكة ماشاء الله ، ثم أصبحت على بابه (فرسنها وانتتجها) (١) وركبها.
وروي في حديث اخرعن مسلم بن جندب : أن أول من ركب الخيل اسماعيل عليهالسلام (٢).
وأما الدعاء عند ركوب الدواب ، فإنه كثير في كتب الآداب ، لكنا نذكر منه ما يسهل حفظه أو ما لا يحسن الغفول عنه ، فنقول : روينا من كتاب (المحاسن) المشار إليه ، بإسناده عن سعد بن طريف ، عن الأصبغ بن نباتة رحمهالله قال : أمسكت لأمير المؤمنين عليهالسلام بالركاب ، وهو يريد أن يركب ، فرفع رأسه ثم تبسم ، فقلت : يا أمير المؤمنين ، رأيتك قد رفعت رأسك وتبسمت (٣). فقال : «نعم يا أصبغ ، أمسكت لرسول الله صلىاللهعليهوآله كما أمسكت لي ، فرفع رأسه وتبسم ، ثم سألته كما
__________________
(١) في «ش» : وسرجها والجمها.
(٢) أخرجه في البحار ٦٤ : ١٥٣ / ٣ و ٤ ، من «فذكر محمد بن صالح ...».
(٣) في «ش» زيادة : ففيم ذلك.