مراكز الظهور وقطعت مفاوز البطون ، وتنزهت في عجائب طرقات القرون بعد القرون ، ورأت من غرائب (١) قدرته ـ جل جلاله ـ في طي مكنون كن فيكون ما صار السفر لها مألوفا وتركه موتا وقطعه مخوفا.
وأشهد أن لا إله إلا هو ، شهادة جاءت أماناً لها من العطب ، ومبشرة بحسن المنقلب.
وأشهد أن جدي محمداً صلىاللهعليهوآله الكاشف من أنوارها ما احتجب ، والمظهر من شموس أنوارها ماغرب واغترب.
وأشهد أن نوابه فيما بلغ إليه من أعلى الرتب ، يجب أن يكونوا من الحماة الكماة الذين لا تذل شجاعتهم كثرة من نهب أوسلب ، ولا يفسد مروءتهم وحمايتهم من أطمعهم فيما بذل أو وهب ، وأن يكون طالع بدايتهم وولادتهم في سعود من غلب وظفر بنجاح الطلب ، وعرف طرق الإقبال في الإنشاء في الاباء مع الأنبياء من غير تعب ولا نصب ، وسلم من العمى بعبادة حجر أو خشب.
وبعد : فإنني وجدت الإنسان مسافرا مذخرج (من العدم) (٢) إذ الوجود في ظهور الآباء والجدود ، وبطون الامهات الحافظات للودائع والعهود ، ووجدت الله ـ جل جلاله ـ قد تولى سلاحه (٣) من حفظه من النقم التي جرت على من سلف من الامم وعامله بالكرم والنعم ، حتى أوجب عليه من العبودية بما بلغه من المقامات الدنيوية والدينية ، أن تكون حركاته وسكناته وأسفاره واختياره كلها بحسب الإرادة الإلهية ، وإنه قد سيره الوفاً من السنين وفي شهورالدهور ، في سفر السلامة من المحذور ، وعلى مطايا النجاة من فتك شرذوي الشرور ، وأطلقه في الأسفار إلى دار القرار ، وجعل له قائداً وسائقاً من المواعظ الهاوية لذوي البصائر والأبصار ، وعلم ـ جل جلاله ـ أن اتكاله على مجرد قدرة العبد وضعف اختياره يقتضي تكرار عثاره ، فبعث له على لسان الأنبياء والأوصياء ، من دروع الدعوات وحصون الصدقات ، ما يكون أماناً له من المخافات في
__________________
(١) في «ش» : عجائب.
(٢) ليس في «ش».
(٣) كذا في «ش» و «ط» ، والظاهر أن الصواب : سلامة.