البراغيث وبعضها لا تتولد فيه الذباب وبعضها لا تتولد فيه البق.
ومن هذه الجهة صار العرق المديني يتولد بالمدينة وما يليها في أكثر الأمر (١) دون سائر المواضع. والسبب في ذلك أن هواء ذلك الصقع ، مع الأغذية التي توجد فيه كثيراً فيغتذى بها الناس ، كالتمور تولد ذلك العرق في اللحم ، فيصير حيواناً كسائر الحيوان الذي يتولد في البطن والأمعاء.
والتحرز من تولده يكون بترك أكل التمور البتة ، والتوقي من استعمال الأغذية التي يسرع إليها الفساد والاستحالة ، كالألبان وما يعمل منها مثل الجبن والمصل (٢) وما شابه ذلك ، وبإدمان دخول الحمام ، واستعمال صب الماء الحار على البدن إذا كان ذلك البلد لا حمامات فيه ، وشرب السكنجبين كثيراً قبل الطعام ، وأخذ الاطريفل الأصفر في أيام معلومة ، والهليلج المربى ، والأملج المربى ، والشقاقل (٣) المربى ، والحبوب التي تنقي المعدة والأمعاء مثل الحب المعروف بالميشيار (٤) ، وحب الذهب ، وحب المقل ، وسفوف الإهليلج ، والرازيانج ، والسكر ، وما شابه ذلك. واستعمال الكبر (٥) في الطبيخ ، واتخاذ البوارد ـ أعني من قضبانه ـ من أنفع الأشياء في التحرز من هذه العلة ، وكذلك الشبت ، والرازيانج ، والطرشقوق ـ وهو الهندباء البري ـ والفوتنج النهري ، والفوتنج الجبلي ، والسذاب ، والنعنع ، وجميع البقول التي معها تفتيح لمنافذ البدن ، وإنضاج الأخلاط وتنفيذها ، وتعديلها ، لئلا تلجج في عضو من أعضاء البدن فيتعفن فيه.
فبهذا التدبير ـ وما شابهه ـ يكون التحرز من العرق المديني.
__________________
(١) في «ش» : الأمراض.
(٢) المصل : ما سال من الأقط إذا طبخ ثم عصر ، والأقط اللبن المجفف. انظر«القاموس المحيط ـ مصل ـ ٤ : ٥٠».
(٣) الشقاقل : نبت منسحب على الأرض مثل الثيل يحمل بزراً أسود بقدر الحمص مملوء من رطوبة سوداء حلوة الطعم. «الجامع ٣ : ٦٥».
(٤) الميشيار : هو طيلاقيون ، وهو نبات يشبه البربين. «الجامع ٤ : ١٧٢ و ٣ : ١٠٥».
(٥) الكبر : شجيرة شوكية ماء ورقه إذا شرب قتل أصناف الحيوان المتولدة في الجوف وشربته من أربعة دراهم إلى ماحولها ، ويعرف في العراق بالشفلح. انظر «الجامع ٤ : ٤٧».