ـ جل جلالي ـ يطبخه (١) بحرارة المعدة ، وبقدرته حتى يصير صالحاً لتفريقه في الجوارح والأعضاء ، فيبعث ـ جل جلال ـ لكل جارحة ولكل عضو بقدر حاجته ، من غير زيادة ، فتكون الزيادة ضررا عليه ، أو نقيصة فتكون سقماً وضعفاً وخطراً لا يقوى العبد عليه.
أقول : ولو أن الله تعالى عرف العبد ما يحتاج كل عضو إليه ، ومكنه من قسمة ذلك على أعضائه ، عجزعنه وكره الحياة لأجل المشقة التي تدخل بذلك عليه ، وكيف يحل أو يليق بالتوفيق ، أن يكون ذاهلاً وغافلاً عمن كفاه هذا المهم العظيم؟ وتولاه ـ جل جلاله ـ بنفسه ، وهوـ جل جلاله ـ أعظم من كل عظيم؟.
أقول : وينبغي أن يكون ذاكراً وشا كراً كيف استخلص من الطعام مالا يصلح للأعضاء والجوارح ، وأفرده (٢) ـ جل جلاله ـ وساقه بيدالقدرة ، وأخرجه في طرقه ، والعبد في غفلة عن تدبيرهذه المصالح.
أقول : ولو أن العبد أنصف من نفسه مولاه ، ومالك دنياه وأخراه ، ومن انشأه وربه ، وسترعمله القبيح عن أعين الناضرين وغطاه ، ورأى بعين عقله كيف إمساك الله ـ جل جلاله ـ للسماوات وألأرضين لأجل العبد الضعيف ، وكيف إمساكه لوجوده وحياته وعقله ونفسه وعافيه بتدبيره المقدس الشريف ، ما كان العبد على هذه الحال من الإهمال وسوء الأعمال ، والاشتغال بما يضره أو بما لا ينفعه من جميع منافعه منه ، وكيف استحسن لنفسه الإعراض عنه!
أقول : واعلم أننا روينا من كتاب (مسائل الرجال) لمولانا أبي الحسن علي بن محمد الهادي عليهماالسلام ، قال محمد بن الحسن : قال محمد بن هارون الجلاب : قلت له : روينا عن آبائك أنه «يأتي على الناس زمان ، لا يكون شيء أعز من أخ أنيس أو كسب درهم من حلال» فقال لي : «يا أبا محمد ، إن العزيز موجود ، ولكنك في زمان ليس شيء أعسر من درهم حلال وأخ (٣) في الله ـ عز وجل ـ» (٤).
__________________
(١) في «ش» : يطحنه.
(٢) في «ش» : وأورده.
(٣) في «ش» : أو أخ.
(٤) البحار ١٠٣ : ١٠ / ٤٣.