فقعد فيه وأحاط به أصحابه ، وأبي وأنا بينهم ، فأدار نظره ثم قال لأبي : أمنا أم من هذه الامة المرحومة؟ فقال أبي : بل من هذه الامة المرحومة. فقال : من أين أنت ، من علمائها ، أم من جهالها؟ فقال له أبي : لست من جهالها. فاضطرب اضطراباً شديداً ثم قال له : أسألك. فقال له أبي : سل.
فقال : من أين ادعيتم أن أهل الجنة يطعمون ويشربون ولا يحدثون ولا يبولون ، وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لايجهل؟ فقال له أبي : دليل ما ندعي من شاهد لايجهل ، الجنين في بطن امه يطعم ولا يحدث.
قال : فاضطرب النصراني اضطراباً شديداً ، ثم قال : كلا زعمت أنك لست من علمائها ، فقال له أبي : ولا من جهالها. وأصحاب هشام يسمعون ذلك.
فقال لأبي : أسألك عن مسألة أخرى ، فقال له أبي : سل ، فقال : من أين ادعيتم أن فاكهة الجنة أبداً غضة طرية ، موجودة غير معدومة عند جميع أهل الجنة ، وما الدليل فيما تدعونه من شاهد لايجهل؟ فقال له أبي : دليل ما ندعي أن ترابنا أبداً يكون غضاً طرياً موجوداً غير معدوم ، عند جميع أهل الدنيا (١) ، لا ينقطع.
فاضطرب اضطراباً شديداً ، ثم قال : كلا ، زعمت أنك لست من علمائها ، فقال له أبي : ولا من جهالها.
فقال له : أسألك عن مسألة ، فقال له : سل ، فقال : أخبرني عن ساعة لا من ساعات الليل ، ولا من ساعات النهار. فقال له أبي : هي الساعة التي بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، (يهدأ فيها المبتلى) (٢) ويرقد فيها الساهر ، ويفيق المغمى عليه ، جعلها الله في الدنيا رغبة للراغبين ، وفي الآخرة للعاملين لها (٣) ودليلاً واضحاً وحجاباً بالغاً على الجاحدين المنكرين التاركين لها.
قال : فصاح النصراني صيحة (٤) ، ثم قال : بقيت مسألة واحدة ، والله لأ سألنك
__________________
(١) في جميع النسخ : الجنة ، وما أثبتناه من البحار.
(٢) في «ش» : يهدى فيها الضال المسافر.
(٣) في «ش» : بها.
(٤) في «ش» : بأعلى صوته.