استقبل بوجهه المدينة وحده ، ثم وضع إصبعيه في أذنيه ، ثم نادى بأعلى صوته ( والى مدين اخاهم شعيبا ) إلى قوله تعالى : ( بقيّة الله خير لكم ان كنتم مؤمنين ) (١) نحن والله بقية الله في أرضه. فأمر الله ريحاً سوداء مظلمة ، فهبت واحتملت صوت أبي فطرحته في اسماع الرجال والنساء والصبيان ، فما بقي أحد من الرجال والنساء والصبيان إلا صعد السطوح ، وأبي مشرف عليهم.
وصعد فيمن صعد شيخ من أهل مدين كبير السن ، فنظر إلى أبي على الجبل ، فنادى بأعلى صوته : اتقوا الله ـ يا أهل مدين ـ فإنه قد وقف الموقف الذي وقف فيه شعيب عليهالسلام حين دعا على قومه ، فإن أنتم لم تفتحوا له الباب ولم تنزلوه ، جاءكم من الله العذاب فأتى عليكم ، وقد أعذر من أنذر ، ففزعوا وفتحوا الباب وأنزلونا.
وكتب (٢) بجميع ذلك إلى هشام ، فارتحلنا في اليوم الثاني ، فكتب هشام إلى عامل مدينة مدين يأمره بأن يأخذ الشيخ فيطمره (٣) ـ رحمة الله عليه وصلواته ـ وكتب إلى عامل مدينة الرسول أن يحتال في سم أبي في طعام أو شراب ، فمضى هشام ولم يتهيأ له في أبي من ذلك شيء (٤).
يقول علي بن موسى بن طاووس : فهذا ما أردنا ذكره من التنبه على أن الرمي با لله ـ جل جلاله ـ ولله ـ جل جلاله ـ يتولاه الله ـ جل جلاله ـ.
* * *
__________________
(١) هود١١ : ٨٤ـ٨٦.
(٢) في «ش» زيادة : العامل.
(٣) طمره : دفنه أو غيبه. «لسان العرب ـ طمر ـ ٤ : ٥٠٢».
(٤) دلائل الامامة : ١٠٤ باختلاف في الفاظه. وأخرجه المجلسي في البحار ٤٦ : ٣٠٦ / ١.