لأنا نقول : ( أولا ) الاستصحاب قاطع لأصل البراءة ، وبناء الفقه من أوله الى آخره عليه ، بل الظاهر تحكيمه على العام إذا كان أي الاستصحاب خاصا ، وقد أشار إلى ذلك بعض الفضلاء من علمائنا أن العام وإن كان كتابا يحكم عليه الخاص وإن كان استصحابا ( وثانيا ) لا معنى لخصوص التمسك به هنا ، إذ لا طريق آخر غيره ، والفرق بين ما ذكره وبين ما نحن فيه أن ما ذكره قد تعارضت فيه الأدلة ، فيمكن حينئذ أن يقال الأصل براءة الذمة من الزائد ، ويبقى ما دل على التطهير بالأقل سالما ، وفي الحقيقة هذا نوع من ترجيح دليل الاتحاد من جهة الاعتضاد بأصل البراءة ، فيكون الدليل مع أصالة البراءة قاطعا للاستصحاب ، بخلاف ما نحن فيه ، فإنه لا أدلة متعارضة ، وأصالة البراءة لا تنبت حكما شرعيا حتى يقال بالتطهير بمقدار مخصوص ، وأما الاكتفاء بالتراوح عند تعذر نزح الجميع فللخبرين المتقدمين.
لا يقال ان ذلك فيما قدر له الجميع لا فيما ينزح له الجميع للمقدمة ، فإنه لا يقطع بحصول الطهارة إلا بنزح الجميع وان احتاج الى أيام ، وإلا تعطلت البئر. لأنا نقول : ( أولا ) الظاهر أنه يفهم من الروايتين السابقتين قيام التراوح مقام نزح الجميع في نفسه ، ولذلك لم يقدح كون المسؤول عنه في الخبر لا ينزح له الجميع ، لأنهم فهموا منه أن ذلك ضابط لما ينزح له الجميع حيث يعسر ، كما نقلوا عليه الاتفاق سابقا فتذكر وتأمل. ( وثانيا ) قد يدعى الأولوية في المقام ، فإنه إذا اكتفي فيما قدر له الجميع بالتراوح فليكتف في غيره مما لم يعلم تقديره به بطريق أولى ، نعم لما كان من المحتمل نزح الجميع أوجبناه للمقدمة ، فليقم التراوح مقامه ، كما لو كان مقطوعا به ، بل هو أولى (١) وقيل ونسبه في كشف اللثام
__________________
(١) لا يقال إن نزح الجميع غير مقتضى للقطع بجواز استعمال الماء أيضا ، لعدم ثبوت طهارة البئر نفسه بذلك ، لأنا نقول : ان الإجماع منعقد بحسب الظاهر انه ليس وراء نزح الجميع شيء ، وان ارض البئر تطهر تبعا ، كما تطهر حيث يكون المقدر الجميع ، وبالجملة حاله حال ما قدر له الجميع ( منه رحمهالله ).