وأما الثاني فليس دالا إلا على جواز الأخذ من الوديعة إذا لم يكن له مال ، وكان قد تعهد له شخص بوفاء ذلك عنه ، ولا ريب أنه خارج عما نحن فيه ، ومحمول على إذن المودع بذلك.
فمن الغريب وسوسة بعض متأخري المتأخرين في الحكم المزبور لذلك ، مما هو غير صالح لمعارضة بعض ما عرفت ، خصوصا بعد كون المسألة من قطعيات الفقه وضرورياته ، بل لعل الوسوسة فيها جهل بمذاق الفن ومذاق الشرع ، بل قد عرفت أنه لا بد من رضى المضمون له بعنوان القبول الذي يتم به العقد ، لما عرفت من المفروغية عن كون الضمان عقدا محتاجا إلى الإيجاب والقبول ، بل لا بد فيهما من جميع ما هو معتبر في العقود اللازمة من الاتصال والعربية وغيرهما.
نعم يقوى عندنا فيه وفي غيره من العقود اللازمة عدم اعتبار لفظ مخصوص ولا هيئة مخصوصة ، بل كلما أفاد إنشاء ذلك ولو بالجملة الاسمية ، أو بالمجاز أو نحو ذلك ، كما أوضحناه في البيع وغيره.
ومنه يعلم حينئذ تحقق عقد الضمان بنحو « على دين زيد » أو عندي أو نحوهما مما يقصد به إنشاء التعهد بذلك ، وقرنه القبول من المضمون له ، فما عن الإيضاح والمقدس الأردبيلي ـ من اعتبار الرضا دون القبول العقدي ، لأنه التزام أو إعانة للمضمون عنه ، وتوثيق للمضمون له ، وليس هو على قواعد المعاملات ـ واضح الضعف كقول العلامة في القواعد « وفي اشتراط قبوله احتمال » إذ الجميع كما ترى ، ضرورة عدم منافاة التوثيق ونحوه للعقدية ، إذ هو حينئذ كالرهن ، بل أولى لما فيه من انتقال المال من ذمة إلى ذمة أخرى ، على أن الأصل عدم ترتب شيء عليه ، إذا لم يكن بصورة العقد.
نعم لا عبرة برضا المضمون عنه بلا خلاف أجده فيه ، بل الإجماع بقسميه عليه لأن الضمان كالقضاء للدين المعلوم عدم اعتبار الرضا فيه ، ولإطلاق الأدلة وعمومها ، ولما سمعته من واقعة ضمان أمير المؤمنين عليهالسلام وغيره عن الميت ، بل لو أنكر وأبى بعد الضمان لم يبطل ، على الأصح للأصل وغيره من الأدلة