القائم مقام الهبة كما لو قال : صالحتك عن هذه الدار ، فيقول : الآخر قبلت نحو قوله في القائم مقام العارية : صالحتك عن منفعة هذه الدار سنة مثلا ، فيقول الآخر : قبلت ، فيصح صلحا لازما وهكذا ، فإن ما سمعته من الدروس صريح في التردد فيه ، بل صرح الفاضل في غير واحد من كتبه بأن من أركانه المصالح منه ، والمصالح به ، بل في موضع من التذكرة أنه معاوضة إجماعا ، بل أرسله الكركي وغيره إرسال المسلمات ، فان قيل : عليه ، إن الصلح إذا وقع موقع الإبراء ـ كما لو صالحه من الحق على بعضه ـ فإنه صحيح ، لعموم شرعية الصلح ، وليس فيه عوضا. قلنا : يكفي في المغايرة الجزئية والكلية بل ربما كان في قوله تعالى (١) ( لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) اشعار به ، بناء على إرادة المعاوضة من التجارة ، وان كان فيه ما فيه ، كما أن في الإكتفاء بالجزئية والكلية في تحقق المعاوضة ما لا يخفى. والا لكفت في غير الصلح من عقودها ، على أنه لا يتم في القائم مقام العارية كما في نحو المقام.
بل منه يعلم ما في دعوى كونه من عقود المعاوضة ، مضافا إلى خلو نصوص المقام عن اعتبار ذلك فيه ، بل ربما ظهر منها خلافه ، كما لا يخفى على من لاحظها ، بل قد يدعى كون المستفاد منها أن كلما يتفقان عليه ويصطلحان عليه مما لم يكن فيه تحليل حرام ، أو بالعكس كان من الصلح الجائز ، وجرت عليه أحكام عقد الصلح من اللزوم وغيره ، وان كان مقتضى ذلك عدم اختصاص ما يقوم الصلح مقامه بخمسة ، البيع والإجارة والهبة ، والعارية ، والإبراء. كما هو ظاهر جماعة ، بل صريح الكركي في حاشية الكتاب.
ضرورة كون المتجه حينئذ قيام الصلح مقام المضاربة وغيرها ، وفائدته اللزوم وغيره من أحكام الصلح ، الا أني لم أر مصرحا به كما أني لم أر تحريرا لهذه المسألة في كلامهم ، بل ولا أن المراد بالمعاوضة فيه الصورية لا الحقيقية ، بمعنى أنه عند تأليف عقده لا بد فيه من صورة مصالح عنه ومصالح به ، وعلى تقديره فليس في الأدلة ما يقوم بذلك ، والمتجه ما عرفت من عدم اعتبارها فيه صورة وحقيقة ان لم يكن إجماع على
__________________
(١) سورة النساء الآية ـ ٢٩.