وعلى كل حال فهو صحيح ، بناء على عدم اعتبار العوض في صحته ، بل ولازم بناء على ما سمعت من كونه عقدا مستقلا برأسه ، مندرج تحت (١) ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وغيره من أدلة اللزوم.
ولكن قيل والقائل الشافعي من العامة والشيخ من الخاصة له الرجوع ، لأنه هنا فرع العارية إذ هو إباحة منفعة بلا عوض وقد عرفت سابقا أن الأول أشبه بأصول المذهب وقواعده ، وأن افادة عقد مفاد آخر لا تقتضي لحوق أحكامه ، على أن الصلح هنا يقتضي ملك المنفعة لا إباحتها ، ولقد أفصح عن ذلك كله في الدروس بقوله : « ولو ادعى دارا فأقر له بها فصالحه على سكنى المقر سنة صح ولا رجوع ان جعلناه أصلا وجوزناه بغير عوض ، ولو أنكر فصالحه المدعى عليه على سكنى للمدعي سنة فهو أولى بعدم الرجوع ، لأنه عوض عن دعواه ، وكذا لو كان الساكن المنكر ، لأنه عوض عن جحوده هذا.
ولكن في المسالك « وانما قيد المصنف بإنكار من هي في يده مع جواز الصلح مع الإقرار والإنكار ليتصور كون الصلح المذكور عارية عند الشيخ ، لأنه جعل اباحة منفعة بغير عوض. أما لو أقر له بها فإن الصلح وان جاز الا أن المنفعة يقابلها عوض وهو العين ، فلا يتحقق العارية ، مع أن الشافعي لما شرط في صحة الصلح الإقرار ، وجعله فرعا على العقود الخمسة ، مثل للعارية بما ذكر هنا ، مع كون المدعى عليه مقرا ، ووجهه أن العوضين من واحد ، فكان الحكم راجعا إلى العارية ».
ولا يخفى عليك ما فيه من وجوه النظر ، بل لا يكاد يتصور له وجه صحة ، حتى ما حكاه عن الشافعي فإن المنقول عنه في التذكرة مثالا لذلك هو أن يكون في يده دار فيقر له بها ، فيصالحه على سكناها شهرا ، فإنه ـ سواء أراد سكنى من في يده المقر بها للغير ، أو سكنى المدعي الذي فرض إقراره بها لمن هي في يده ـ غير ما سمعته عنه عند التأمل والأمر في ذلك سهل بعد وضوح الحال.
انما الكلام في صحة هذا الصلح بسبب عدم اشتماله على العوض ، وكذا الصلح
__________________
(١) سورة المائدة الآية ـ ١.