ما يخالف المجمع عليه من صحة الإبراء دون الهبة يمنع من الاستدلال به ، مضافا إلى اشتراك الجميع في ضعف السند عدا الصحيحين ».
إذ هي كما ترى ، ضرورة كون المراد من الصحيحين : بقرينة غير هما مما ذكرنا وما لم نذكره الاشراف على الموت ، ودعوى صراحة صحيح يعقوب فيما بعد الموت واضحة الفساد ، إذ ليس للميت بعد الموت شيء إذا لم يوص به ، بل لا ريب في كون المراد منه خصوصا بعد كونه كمذاق غيره مما لا يقبل ذلك مجاز المشارفة الذي كشف عنه باقي النصوص بلفظ عند ، وحضر ، وأتاه الموت ونحوه ، كما هو واضح بأدنى تأمل.
ومنه يعلم فساد المناقشة في خبري ابن الجهم وعلي بن عقبة ، وأما خبر ابن أبي ولاد المعتضد بغيره مما عرفت فلا يقدح في الاستدلال به على المطلوب اشتماله على غيره مما لا نقول به ، خصوصا بعد منع بطلان هبة ما في الذمة التي مرجعها إلى الإبراء ، بل قد يقال : بكون المراد منه الترقي إلى جواز الهبة ، على معنى أنه لو وهبته شيئا جاز ويحسب من الثلث ، فضلا عن الإبراء الذي هو أولى بالجواز.
وبالجملة من أحاط خبرا بما ذكرناه من النصوص وتدبرها وتدبر اعتضاد بعضها ببعض ، يقطع بفساد هذه المناقشة ، كما أنه يقطع بفسادها من حيث السند ، إذ لا تبين أعظم من هذا الاعتضاد ، وعمل من عرفت بها ، على أن فيها الصحيح ، والموثق ، والحسن ، بل قد عرفت استغنائها عن النظر في أسانيدها ببلوغها درجة القطع ، كما لا يخفى على من أعطاه الله قوة حدس في كلماتهم عليهمالسلام.
وأخرف شيء قوله « إن أجود ما في هذا الباب الخبر العامي سندا ودلالة ، ومن ادعى خلاف ذلك فالسيرة ترده » إذ قد عرفت مما ذكرنا أن غيره من النصوص أوضح ، كما هو ظاهر كل ذلك ، مضافا إلى ما في نصوص الأصل من قلة العدد وقصور السند واتحاد الراوي في كثير منها ، وكونها مطلقة قابلة للتقييد بغيرها ، إذ ليس في حسن المحاملي وما كان نحوه (١) صراحة في شمول الأحقية للتنجيز ، فيمكن حملها على غيره ، بل محتمل لإرادة الثلث خصوصا إذا قرء بفتح اللام ولوحظ ما دل
__________________
(١) الوسائل الباب ـ ١٧ ـ من أبواب أحكام الوصايا الحديث ـ ٨ ـ ٣ ـ ٧ ـ وغيره.