تعيّن دفن ميّت على شخص وتردّد الأمر بين حفر أحد موضعين يكون أحدهما راجحا عند الولي لغرض من الأغراض فيستأجره على حفر ذلك الموضع الخاصّ ، لم يمنع من ذلك كون مطلق الحفر واجبا عليه مقدمة للدفن (١).
وأنت خبير بأنّه فرق واضح بين أن يستأجره لإيجاد الخصوصيّة فقط ـ التي هي خارجة عن متعلّق الوجوب ، ولا يتحقّق إلاّ فيما كان للخصوصيّة وجود مستقلّ ، ولو كان ملازما ومنضمّا إلى الطبيعة دائما بحيث لا تنفكّ عنها ـ وبين أن يستأجره لإيجاد الطبيعة المتخصصة كما هو المفروض في مثال الشيخ.
ولا شكّ في أنّ في القسم الثاني الذي هو ظاهر كلام شيخنا الأعظم قدس سرّه يتّحد متعلّق الوجوب والإجارة في نفس الطبيعة ، وهذا موجب لبطلان الإجارة بعين البرهان الذي تقدّم في الواجب التعييني ، بل هو عين التعييني ، لأنّه ليس هناك واجب تعييني لا يتطرّق فيه التخيير العقلي إلاّ فيما شذّ وندر ، أي فيما إذا تعلّق الوجوب بشخص فعل ممتنع الصدق على كثيرين ، كالصوم في شهر رمضان ، أو النذر المعيّن ، مع أنّه بالنسبة إلى صوم شهر رمضان أيضا يعقل التخيير بالنسبة إلى الأمكنة. نعم في نذر المعيّن لو عيّن جميع جهاته من الزمان والمكان وسائر الجهات يمكن فرض عدم مجيء التخيير العقلي في البين أصلا.
نعم في القسم الأوّل لا مانع من أخذ الأجرة ، لكنّه خارج عن موضوع البحث ، لأنّ كلامنا في أخذ الأجرة على الواجبات وفي ذلك الفرض الواجب شيء ومتعلّق الإجارة شيء آخر.
وبعبارة أخرى : موضوع البحث هو أن يكون معروض الوجوب ومتعلّق الإجارة شيئا واحدا ، بحيث لو قلنا بالجواز يحصل للأجير أمران : أحدهما : سقوط الواجب عن ذمّته.
__________________
(١) المصدر.