والإنصاف أنّ هذه الفتوى من مثل المحقق قدس سرّه شيخ الفقهاء لا يخلو من غرابة ، وإن أسند هذا القول في المسالك إلى العلاّمة في القواعد والإرشاد أيضا (١).
وأمّا الصورة الثانية فتكون سببا للضمان بطريق أولى ، ولا يحتاج إلى التوضيح والبيان.
وأمّا الصورة الثالثة أي فيما لا يعلم بالتعدّي ولا يظنّ ولم يتجاوز قدر الحاجة ، فهذه الصورة على قسمين :
فتارة ترتّب التلف على هذا الفعل ليس غالبيّا وبحسب العادة ، وإنّما قد يقع اتّفاقا لعارض ، كما أنّه من باب الاتّفاق هبت ريح بخلاف العادة والمتعارف فأثرت النار في مال الجار.
فالظاهر عدم الضمان في هذه الصورة ، لا لأنّه مأذون في هذا الفعل ، لما ذكرنا من أنّ الإذن لا يرفع الضمان ، بل لما اشترطنا من أنّ الضمان لا يكون إلاّ فيما إذا كان الفعل الصادر عن ذي السبب سببا في الأغلب وبحسب العادة.
وأخرى يكون غالبيّا وبحسب العادة.
فالظاهر أنّه يضمن ، لأنّ فعله سبب غالبيّ لوقوع التلف ، كما أنّه في يوم هبوب الريح لو أجّج نارا ولكن لم يحصل له علم ولا ظن بالتعدّي إلى الإضرار بالجار لغفلته أو بلاهته ، مع أنّ التعدّي في مثل ذلك اليوم لم يكن اتفاقيّا ، بل كان أمرا عاديا متعارفا ، ففعله هذا سبب عادي للتلف ، ولم يتوسّط بينه وبين التلف فعل فاعل عاقل مختار ، الذي هو الضابط في استناد التلف إلى السبب.
وأمّا الصورة الرابعة فيضمن بطريق أولى ، لأنّ المفروض أنّه تجاوز عن قدر الحاجة.
__________________
(١) « مسالك الافهام » ص ٢٥٧.