وأنّه لا يمكن حصول الإباحة المجرّدة عن الملكيّة مع عدم قصد المتعاطيين لها ، لأنّ كلّ واحد من المتعاطيين يقصد تمليك ما يعطيه للآخر ، فكيف تقول لا يقع ما قصداه ويقع شيء آخر لم يقصداه؟ وهل هذا إلاّ أنّ ما قصد لم يقع ، وما وقع لم يقصد ، وكأنّ هذه الكبرى بطلانها ضروري وجداني ، ومرجعه إلى أنّ الأمور القصديّة ـ كالتعظيم والتوهين والعقود ـ وقوعها وحصولها في وعائها ، سواء أكان عالم العين أو عالم الاعتبار ، تابع لقصدها.
كما قلنا في صلاة الظهر والعصر مثلا إنّهما لا تقعان ولا تحصلان في عالم العين إلاّ بقصد عنوانهما ولو كان بصورة إجماليّة ، فوقوع الأمر القصدي بدون القصد ولو إجمالا لا يمكن.
ولا شكّ في أنّ العقود من الأمور القصديّة ، ولذلك لا تقع من الغالط والهازل والسكران والنائم والغافل وأمثال ذلك ، وهذا معنى بطلان إحدى الجملتين من قولهم : إنّ ما وقع لم يقصد وما قصد لم يقع ، أي الجملة الأولى منه.
وأمّا الجملة الثانية ـ أي ما قصد لم يقع ـ فبطلانها مبنيّ على أن يكون متعلّق القصد من العقود أو الإيقاعات التي شرّعها الشارع إحداثا إن كانت ، أو إمضاء كما هو الغالب والأكثر إن لم يكن الجميع ، ويكون واجدا لجميع الأجزاء والشرائط المقرّرة شرعا لذلك العقد أو لذلك الإيقاع ، وإلاّ يمكن أن يقصد ولا يقع لفقد شرط أو لوجود مانع.
كما أنّه لو قصد الطلاق حقيقة وواقعا ولكن لم يكن في طهر غير المواقعة في حال حضور الزوج وعدم كونه مسافرا ، أو لم يكن بحضور شاهدين عدلين ، فلا يقع الطلاق. فمعنى أنّ العقود تابعة للقصود ، أي لا يقع العقد بغير قصد مضمونه وخصوصيّاته ، لا أنّ كلّ ما قصده يقع وإن لم يكن واجدا للشرائط المعتبرة في ذلك العقد أو في ذلك الإيقاع.