أَغَيْرَ اللهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ ) (١). فقال الله جلّ جلاله لعباده : أيّها الفقراء إلى رحمتي! إنّي قد ألزمتكم الحاجة إليّ في كل حال ، وذلّة العبودية في كل وقت ، فإليّ فافزعوا في كلّ أمر تأخذون فيه ، وترجون تمامه ، وبلوغ غايته ، فإنّي إن أردت أن أعطيكم لم يقدر غيري على منعكم ، وإن أردت أن أمنعكم لم يقدر غيري على إعطائكم ، فأنا أحقّ من سئل ، وأولى من تضرّع إليه.
فقولوا عند افتتاح كل أمر صغير أو عظيم : بسم الله الرحمن الرحيم ، أي أستعين على هذا الأمر بالله الذي لا تحقّ العبادة لغيره ، المغيث إذا استغيث ، والمجيب إذا دعي ، الرحمن الذي يرحم ببسط الرزق علينا ، الرحيم بنا في أدياننا ودنيانا وآخرتنا ، خفّف علينا الدّين ، وجعله سهلا خفيفا ، وهو يرحمنا بتميزنا عن أعاديه ... (٢).
نظير ما ذكرنا من المعرفة والتجلّي الخاص من الله تعالى في البأساء والضراء تجلّ منه تعالى أحيانا في قلوب المؤمنين عند قراءة القرآن وفي بعض عباداتهم وتوجّهاتهم إليه تعالى شأنه ، يترتب عليه من لذّة الانس والمناجاة مع ربّ العالمين ما لا يقدّر قدره ، ويكون أنموذجا لمراتب عالية منها تحصل للأولياء في الدنيا والآخرة ، كرامة من الله رفيع الدرجات فوق كراماته المادّية التي أعدّها لأهل الجنّة. وقد تكون تلك اللذّة مقرونة بالبكاء والتضرّع.
ولهذه المعرفة والتجلي مراتب كثيرة ، تارة من جهة شدّة الوجدان وضعفه ، وأخرى من جهة ما يجده العبد من كمالات الرب تعالى شأنه وأوصافه التي هي عين ذاته ، فتارة يتجلّى في قلب الداعي المتضرع بوصف الرحمة والرأفة ، فيزيد في رجائه ، وأخرى بوصف كبريائه وعظمته وجبروته وكمال عدله فيزيد في خوفه ، وتارة بكلا الوصفين ،
__________________
(١) الأنعام ٤٠ ـ ٤١.
(٢) التوحيد ٢٣٠ ، وعنه البحار ٩٢ : ٢٣٣.