الأفعال منه.
ثم إنّه لا إشكال فيما لا يكون متعلق مشيئته تعالى الأفعال الصادرة عن غيره بقدرته التي أعطاها إيّاه ، إنّما الإشكال فيما لو كانت المشيئة وأخواتها مرتبطة بأفعال الغير ، وأنّه ما معنى هذه فيها.
فنقول : قد أشرنا إلى أنّ متعلق مشيئة الله تعالى التكوينية في مورد الفرض ـ وهو الفعل أو الترك الصادر عن العبد بقدرته واختياره ـ لا يمكن أن يكون نفس هذا الفعل أو الترك بعينه ، وإلاّ لزم الخلف. وإنّما الممكن تعلقها بمقدماته وأسبابه والدواعي التي لا توجب جبر العبد ، ولذا لا بأس بأن يقال إنّ الله شاء أن يشاء العبد ذلك الفعل أو الترك بقدرته ومشيئته ، كما عن أمير المؤمنين عليهالسلام في الاستغفار عند المنام : وشئته إذ شئت أن أشاءه ، وأردته إذ أردت أن أريده (١) ، فإنّ مرجعه إلى مشيئته تعالى أن يكون العبد متصفا بأنّه الذي يشاء ما شاء بقدرته ، كما صرح به بقوله عليهالسلام : لم تدخلني فيه جبرا ولم تحملني عليه قهرا. وواضح أنّ الالتزام بالمشيئة بهذا لمعنى لا يستلزم الجبر.
نعم حيث إنّ الفعل الصادر من العبد يكون متعلقا لأمره تعالى ونهيه المولويّين ويصير لذلك متّصفا بوصف الطاعة أو المعصية ، ويكون أيضا موضوعا لحكمه بالثواب والعقاب عليه ، وكل منها أي الأمر والنهي والثواب والعقاب بقدر معين ، فالمشيئة والإرادة والقدر والقضاء منه تعالى يكون بأحد هذه المعاني ، لا التكويني أو غيره الذي يوجب الجبر وسلب القدرة عن العبد ، كما تدلّ عليه رواية يزيد بن عمير (٢) بن معاوية : قال : دخلت على علي بن موسى الرضا عليهالسلام بمرو ، فقلت له : يا ابن رسول الله ، روي لنا عن الصادق جعفر بن محمد عليهالسلام أنّه قال : لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين ، فما معناه؟ فقال : من زعم أن الله يفعل أفعالنا ثم يعذبنا عليها فقد قال بالجبر ، ومن زعم أن الله عزّ وجلّ فوّض أمر الخلق والرزق إلى حججه عليهمالسلام فقد قال بالتفويض. فالقائل
__________________
(١) رواه العلامة النوري ـ رحمهالله ـ في الصحيفة العلوية : ٦٩ ، ودار السلام ٣ : ١٣٥ عن مفاتيح النجاة للمحقق السبزواريّ.
(٢) كما في البحار ، وفي العيون : زيد بن عمير.