سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية ، فإنّ رواة العلم كثير ورعاته قليل (١).
بالتأمّل في ما ذكرنا يظهر في الجملة أنّ المجرّد عن المادّة ولواحقها في المخلوقات هو نور العلم والعقل بما لهما من الكمالات النوريّة ، بلا تركيب وتجزّؤ في ذاتهما ، لا النفس الإنسانيّة المعبّر عنها بالروح في قوله عليهالسلام : إنّ الله خلق الأرواح قبل الأجساد بألفي عام (٢). فإنّ الروح بهذا المعنى على ما يظهر من الروايات جزء من المادّة اللطيفة التي خلق منها كلّ شيء من العلّيين والسجّين والدنيا والآخرة ، والجنة والنار ، وما فيهما ، وسمّيت تلك المادّة في الروايات المباركة بالماء.
والظاهر من تلك الروايات أنّ تلك المادّة فاقدة بذاتها للحياة والكمالات النوريّة ، وكانت حياتها وحياة كلّ شيء من أجزائها من الأرواح البشريّة والملائكة والجانّ وغيرها وكمالها لوجدانها تلك الأنوار واستضاءتها بها ، وموتها بفقدانها إيّاها ، كما سيجيء توضيحه والدليل عليه إن شاء الله تعالى ، فإنّ وجدان الكمال وإن كان كمالا إلاّ أنّه فرق واضح بين صيرورة النفس بذاتها وجوهريّتها عين ذلك الكمال ونفسه ، وبين بقائها مغايرة له وحاملة إيّاه بلا تداخل واتّحاد بينهما كتداخل شيء في شيء ، كما يشهد به قوله تعالى : ( وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ ) (٣). بناء على كون المراد من العرش هو العلم ، والعلم أحد معاني العرش كما في الرواية (٤).
قال العلاّمة المجلسيّ رحمهالله في البحار : لا يخفى عليك أنّه لم يقم دليل عقليّ على التجرّد ولا على الماديّة ، وظواهر الآيات والأخبار تدلّ على تجسّم الروح والنفس ، وإن كان بعضها قابلا للتأويل ، وما استدلّوا به على التجرّد لا يدلّ دلالة صريحة عليه ، وإن كان في بعضها إيماء إليه ، فما يحكم به بعضهم من تكفير القائل بالتجرّد إفراط وتحكّم ،
__________________
(١) مجمع البحرين ٥ : ٤٢٥.
(٢) البحار ٦١ : ١٣١ ، وسيأتي في ص ١١١ مصادر كثيرة لهذا الحديث.
(٣) هود ٧.
(٤) راجع ص ٢٥ ، ٢٦.