كلّ فرد منها من أن يصير بدنا أصليّا لفرد آخر من الأرواح ، وهو بمكان من الإمكان. ولا يضرّ بما ذكرنا الزيادة والنقصان والتبدّل في الأجزاء الفضليّة التي هي بمنزلة الآلات والأدوات ليتمكّن الإنسان من الأفعال ويدرك بها اللذائذ والآلام.
ويستفاد ما ذكرنا من الروايات المتقدّمة ، منها ما عن الكافي بسنده عن عمّار بن موسى عن أبي عبد الله عليهالسلام ، قال : سئل عن الميّت يبلى جسده؟ قال : نعم حتى لا يبقى له لحم ولا عظم ، إلاّ طينته التي خلق منها ، فإنّها لا تبلى ، تبقى في القبر مستديرة حتّى يخلق منها ، كما خلق أوّل مرّة (١).
أمّا الشبهة الثانية فهي أنّ للنفس في جوهرها قوّة الوصول إلى كمال تستغني به عن المادّة ، بأن تصير صورة محضة لا تحتاج في واقعيّتها وفعليّتها إلى عروضها على شيء من المادّة ، وفيها أيضا كمال ، وفوق الكمال المذكور ، وهو الورود في نشأة العقول المجردة عن المادّة ولواحقها ، فإذا حصل الكمال الذي هو برزخ بين الجسميّة المركّبة من المادّة والصورة وبين عالم العقول المجرّدة عنهما يكون عودها ورجوعها القهقرى إلى الجسميّة المذكورة رجوعا عن مقام الفعليّة إلى مقام القوّة ، وهو من المحال.
وفيه : أنّ هذه الفكرة ليست إلاّ مجرّد توهّم خال عن الحقيقة ، فإنّ حقيقة الإنسان وإن كانت محيّرة لعقول أعاظم البشر حيث أعمل فيها من الدقائق ولطائف الصنع التي قال الله تعالى في بيان خلقته إيّاها : ( فَتَبارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ ) (٢) ، إلاّ أنّ روح الإنسان ـ بمقتضى الروايات الواصلة عن أهل بيت الوحي النازل عن خالق الأشياء ـ جزء من المادّة التي خلق جميع الأشياء منها المعبّر عنها مجازا بالماء ، وأنّ بدنه جزء آخر من تلك المادّة ، والفرق بينهما ـ على ما نبّهنا عليه في التنبيهات السابقة ـ إنّما هو باللطافة والكثافة ، وبعروض أعراض خاصّة على أحدهما ، وأعراض أخرى على الآخر.
وحياة الروح ـ الحياة التي بها تكون حيوانا وإنسانا ـ بوجدانها العلم والقدرة بما للوجدان من الدرجات. ونور العلم هو عين نور القدرة وعين سائر الكمالات النورية ، من
__________________
(١) راجع ص ٢٠٦.
(٢) المؤمنون ١٤.