المشيئة والعزم منّا ، وفاعل المشيئة نفس القادر بما له من صفة القدرة ، فمن كمال القادر على شيء أنّه لا يحتاج في ترجيح فعله أو تركه على الطرف الآخر إلى غير مشيئتة.
وبعبارة أخرى فيها توضيح للمطلب : أنّ العلة الغائيّة من المصلحة والحسن والسهولة وامتثال أمر المولى وغيرها في أحد الطرفين وعلم الفاعل بها لا توجب عجزه وقصور قدرته وتمكنه تكوينا من الطرف الآخر ، ولا نفي صحة نسبة وجود الفعل أو عدمه على نحو الحقيقة إلى مشيئة الفاعل ، وإلى فاعل المشيئة الذي هو نفس الإنسان بما له من القدرة والسلطنة ، وإنّما توجب رجحانه العقلي واستحقاق المدح والشكر أو الذم على فعله أو تركه ، بل أحيانا استحقاق الثواب أو عقاب المولى ، ووجود الداعي تكوينا في نفس الفاعل وإعطاء الله القدرة إيّاه وسيلة لامتحانه واختباره. والحاصل أنّ العلة الفاعلية هو نفس الفاعل بما له من القدرة ، ومشيئته وإرادته وعزمه فقط ، وإليها تنتهي جميع أفعاله المقدورة ، وإليها تنسب حقيقة لا إلى الدواعي وموجدها.
بل ظهر مما ذكرنا أنّه لا بدّ له في القدرة والسلطنة من ثبوت المشيئة له ، لما ذكرنا من أنّ نسبة القدرة إلى فعل الشيء وتركه على السواء ، فلا بد لظهورها وتعلقها بأحدهما من مخصّص ، فلو كان المخصص غير الفاعل القادر ثبت له الاحتياج في صدور الفعل عنه إلى ذلك الغير ، أو كونه مسلوب القدرة ، وهذا خلف ، بخلاف ما لو كان المخصص مشيئته ، وفاعل المشيئة نفسه ، وهذا هو الغنى والكمال والقدرة ، ونحن نجد هذا الغناء الذي هو عطاء من الله تعالى بالنسبة إلى بعض الأفعال ، وهو ثابت له تعالى بالنسبة إلى جميع الأشياء لكونه كمالا ، كما يشير إليه مثل قوله تعالى : ( يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ ) (١) ( قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ) (٢) ، وقولهم عليهمالسلام : ما شاء ربّي كان وما لم يشأ لم يكن (٣) ، يا من يفعل ما يشاء ولا يفعل ما يشاء أحد غيره (٤).
وبالتأمل في ما ذكرنا تندفع شبهات أوردوها في المقام ، نذكرها ونذكر غيرها
__________________
(١) آل عمران ٧٤.
(٢) آل عمران ٧٣.
(٣) البحار ١٠١ : ٢٩٩ ، عن مصباح المتهجد.
(٤) الكافي ٢ : ٥٤٩.