والجواب عنها :
منها : أنّ جميع الموجودات ـ سوى الله تعالى ـ ومنها البشر وأفعاله الاختيارية من الممكنات ، ولا يصلح لجعل الممكن وإيجاده إلاّ واجب الوجود ، فلا بدّ من استناد أفعال العباد إليه.
والجواب : إنّ الجعل والإيجاد الذي لا يصلح لأحد سوى الله تعالى هو الجعل والإيجاد بذات الفاعل ، وإيجاد البشر للفعل الاختياري ليس بذاته ، بل بالقدرة التي أعطاها الله إيّاه. فالقبائح الصادرة عنه اختيارا ليست مجعولة له تعالى ولا مستندة إليه.
وقد مرّ عن المحقق الطوسي ـ قدسسره ـ أنّ الضرورة قاضية باستناد أفعالنا إلينا. وفي الرواية : ومن نسب إليه ما نهى عنه فهو كافر (١).
نعم ، حيث إنّ الإنسان كسائر الممكنات مجعول ومخلوق له تعالى شأنه ، وجميع كمالاته من العلم والقدرة وغيرهما عطاء من الله تعالى أعطاها الله إيّاه ليطيعه بها لا ليعصيه ، وأعطاه الله العقل أيضا ليعرف به وجوب الطاعة ، وأكّده وأرشد إليه بأمره بها ، وهيّأ له أسبابها ، ووعده جزيل الثواب عليها .. يظهر بها صحّة القول بأنّ الله تعالى أولى بحسنات العبد منه ، والعبد أولى بسيّئاته منه تعالى ، وإن كان كلّ من الطاعة والمعصية مستندة إلى العبد ، وفعلا منه حقيقة وصادرا عنه بقدرته ومشيئته لا من الله تعالى ، ولا ينافي ذلك كون العبد ذا قدرة ومشيئة بمشيئة الله تعالى ، فتدبر جيدا كي لا يختلط عليك الأمر.
فعن العيّاشيّ عن صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليهالسلام قال : قال الله تبارك وتعالى : ابن آدم! بمشيئتي كنت أنت الذي تشاء وتقول ، وبقوتي أدّيت إليّ فرائضي ، وبنعمتي قويت على معصيتي ، ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك ، وذاك أنّي أولى بحسناتك منك ، وأنت أولى بسيئاتك مني ، وذاك أنّي لا أسأل عما أفعل وهم يسألون (٢).
__________________
(١) البحار ٣ : ٢٩٣ ، عن العيون.
(٢) البحار ٥ : ٥٦.