شيء معه ، بلا حدود ولا أعراض ، ولا يزال كذلك. ثم خلق خلقا مبتدعا مختلفا بأعراض وحدود مختلفة ـ إلى أن قال الراوي ـ قال له عمران : يا سيّدي ألا تخبرني عن الخالق إذا كان واحدا لا شيء غيره ولا شيء معه أليس قد تغيّر بخلقه الخلق؟ قال الرضا عليهالسلام : لم يتغيّر عزّ وجلّ بخلق الخلق ولكن الخلق يتغيّر بتغييره ... الخبر (١).
أقول : مما ذكرنا من الروايات ـ مضافا إلى قوله عليهالسلام في هذه الرواية : ثم خلق ...
الظاهر في الترتيب الزمانيّ ، وإلى تقريره عليهالسلام قول السائل : إذا كان واحدا لا شيء غيره ... الظاهر في الغيرية الحقيقية ـ يظهر أنّ قوله : « ولا يزال كذلك » راجع إلى قوله : « بلا حدود ولا أعراض » لا إلى مجموع ما تقدّم ، كي يوهم صحة تأويل قولهم صلوات الله عليهم : « كان الله ولا شيء معه » بالمعيّة الرتبيّة.
وأمّا المسألة الرابعة وهي بسيط الحقيقة كلّ الأشياء وليس بشيء منها : فقد أوضحها صاحب الأسفار بقوله : إنّ العرفاء قد اصطلحوا في إطلاق الوجود المطلق والوجود المقيّد على غير ما اشتهر بين أهل النظر ، فإنّ الوجود المطلق عند العرفاء عبارة عمّا لا يكون محصورا في أمر معيّن محدودا بحدّ خاص ، والوجود المقيّد بخلافه ، كالإنسان والفلك والنفس والعقل. وذلك الوجود المطلق هو كلّ الأشياء على وجه أبسط ، وذلك لأنّه فاعل كلّ وجود مقيّد وكماله ، ومبدأ كلّ فضيلة أولى بتلك الفضيلة من ذي المبدأ. فمبدأ كلّ الأشياء وفيّاضها يجب أن يكون هو كلّ الأشياء على وجه أرفع وأعلى.
فكما أنّ السواد الشديد يوجد فيه جميع الحدود الضعيفة السواديّة التي مراتبها دون مرتبة ذلك السواد الشديد على وجه أبسط ، وكذلك المقدار العظيم يوجد فيه كلّ المقادير التي دونه من حيث حقيقة مقداريّتها ، لا من حيث تعيّناتها العدميّة من النهايات والأطراف.
فالخطّ الواحد الذي هو عشرة أذرع مثلا يشمل الذراع من الخطّ والذراعين منه والتسعة أذرع منه على وجه الجمعية الاتصاليّة ، وإن لم يشتمل على أطرافها العدميّة التي تكون لها عند الانفصال عن ذلك الوجود الجمعيّ ، وتلك الأطراف العدميّة ليست داخلة في الحقيقة الخطيّة التي هي طول مطلق ، حتّى لو فرض وجود خطّ غير متناه لكان أولى
__________________
(١) البحار ١٠ : ٣١٠ ، عن التوحيد والعيون.