فإنّه يكتفى به عقلا وعرفا ، كما عليه السيرة العقلائيّة حتى من علماء المنطق والفلسفة ، فإنّهم كثيرا ما يعتمدون في إثبات مرامهم على ما يوضح المطلوب ، أي على المنطق الارتكازيّ ، من دون تكلّف النظر إلى مباحث المنطق المصطلح.
الحجّة الذاتيّة التي لا بدّ من أن ينتهي جميع الحجج والبراهين إليها ـ بل بها قوامها ـ هي حقيقة العلم ، والعقل الذي حقيقته من حقيقة العلم ، كما سيأتي التنبيه عليه.
وممّا يشهد على ما ذكرنا احتجاج العقلاء وكذلك الكتاب والسنّة بهما في قولهم : ألم تعلم وأ لم تعقل ، ونحوهما ، فتدبّر.
من العجب خفاء حجيّة العقل على بعض ، كما يظهر من ملاحظة التعبيرات المحكيّة عنهم. فعن غير واحد من الأخباريّين ـ على ما في رسائل الشيخ الأنصاري قدسسره ـ عدم الاعتماد على القطع الحاصل من المقدّمات العقليّة غير الضروريّة.
وعن بعض الأعاظم قدسسره توضيحا لكلام الشيخ : أنّ مرادهم ليس هو القطع ـ الذي هو حالة نفسانيّة بخلاف العلم والعقل ـ فإنّ الذي قاله الأصوليّون وأنكر عليهم الأخباريّون القول بأنّ أدلّة الأحكام الشرعيّة أربعة ، منها العقل ، فأنكروا عليهم تارة بعدم حجّيّة العقل فيها رأسا ، كما يظهر عن بعضهم ، وأخرى بعدم حصول القطع من المقدّمات العقليّة ، كما هو ظاهر كلمات بعض آخر (١).
وعن بعض المحدّثين ـ بعد الإشكال بوقوع الخطاء في العقليّات والشرعيّات كليهما ـ قال : إنّما نشأ ذلك من ضمّ مقدّمة باطلة عقليّة بالمقدّمة النقليّة ، وقال الشيخ قدسسره : المستفاد من كلامه عدم حجيّة إدراكات العقل في غير المحسوسات وما تكون مباديه قريبة من الإحساس ، إذا لم تتوافق عليه العقول.
__________________
(١) انظر خاتمة مستدرك الوسائل ، الفائدة الحادية عشرة.