المعروف المذكور آنفا المنطوي فيه بدنه الذّريّ وجعل الأبدان الذريّة من ولده في صلبه ، ثمّ أخرجها من صلبه وأوجدها الروح والحياة ، ثم جدّد التعريف وأخذ الميثاق عنها مرّة أخرى.
وبالجملة اختلاف الخصوصيات المذكورة في بعض الروايات إنّما هو لتعدد المواقف ، فلا وجه لما عن بعض المتأخرين لتضعيف الروايات على كثرتها من جهة اختلافها في الخصوصيات.
تنبيه
من فوائد التعريف وأخذ الميثاق مرّة بعد مرّة ، التأكيد في إتمام الحجة ، كما أخذ رسول الله صلىاللهعليهوآله البيعة من أصحابه مرّتين. مضافا إلى أنّ كل تعريف من الله ، وكلّ طاعة أو عصيان من العبد موضوع لاستحقاق المدح والثواب ، أو الذمّ والعقاب ، فإذا لم تحصل للعبد الطاعة واقعا وطوعا في شيء منها كانت الحجّة لله تعالى عليه في تبعيده عن رحمته أتمّ. وإنّما يكشف عن ذلك يوم القيامة الذي هو يوم الجزاء ، وإن لم يظهر ذلك لنا في الدنيا ، كما أشار إليه في قوله تعالى : ( أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ. أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ ... ) (١).
مضافا إلى أنّ العصيان الصادر عنهم في تلك النشآت ـ حيث إنّ الله لم يجعل لهم بعض الدواعي الموجودة في دار الدنيا ـ أوجب لاستحقاق الذمّ والعقاب ، فتكون الحجّة عليهم من هذه الجهة أيضا أتمّ ، كما تؤمئ إليه الآية المباركة ، وسيجيء تفصيله إن شاء الله تعالى.
ومما يدلّ على سبق خلقة الأرواح روايات كثيرة نقلت في الكافي ، ومعاني الأخبار ، وعلل الشرائع ، وبصائر الدرجات ، والاختصاص عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وعن
__________________
(١) الأعراف ١٧٢ ، ١٧٣.