الأول : أنّ الله تعالى عالم أزلا بجميع الأنواع الممكنة من المخلوقات بأطوارها وكيفياتها المتضادة وغير المتضادة بما لها من الكثرة ، بل إنّها لا تناهي لها ، وهو تعالى عالم بنقائضها وتقديراتها قبل وجود شيء منها. وكذا قادر أزلا على إيجادها على الوجه الممكن من الإيجاد قبل وجود شيء منها أيضا.
وهذا معنى كونه تعالى عالما ولا معلوم وقادرا بلا مقدور ، كما هو المصرح به في الروايات المباركات. فليس علمه وقدرته عبارة عن الإضافة الاشراقية للوجود إليها ، كما قيل ، حتى في زمان وجود المعلوم والمقدور ، فكيف بما قبله ، بل العلم عبارة عن النور الذي تكشف به المعلومات قبل كونها وبعده. والقدرة عبارة عن السلطنة على إيجادها وعدمه ، وعلى أن يفعل وأن لا يفعل ، أوجدها أو لم يوجدها. وهذان كما في سائر كمالاته عين ذاته تعالى ، لهما الفعلية ، أي الواقعية كذاته ، أوجد شيئا أو لم يوجد.
الثاني : أن فعله وخلقته تعالى شيئا ليس برشح وفيضان من ذاته القدوس ، فإنه الولادة المنزّه ذاته عنها ، ولا بتطوّر وتشؤّن لذاته بالأطوار والشئون ، فإنه التغير المنزّه ذاته تعالى عنه أيضا ، فلا اقتضاء في ذاته يكون هو المرجح ، أي العلة لخلق شيء دون الآخر يوجب محدودية القدرة من هذه الجهة.
الثالث : أن ما عداه من العوالم لم يخلق من اصول أزلية ، وليس مسبوقا بمثال احتذاه ، كما صرح به في غير واحد من الخطب وغيرها أمير المؤمنين والأئمة عليهمالسلام ، بل جميعها بما لها المادّة والصور النوعيّة والتقدير والنظم وسائر الأعراض إبداع منه تعالى ، خلقت لا من شيء. فلا محدودية من هذه الجهة أيضا.
الرابع : أنّ العلّة الغائيّة التي تخرج بها الأفعال عن العبث واللّغويّة ، وعن كونها غير مناسبة لصفة الحكمة في ذاته القدوس من جهة الحسن والقبح العقليين ، والمصلحة والمفسدة فيها ـ بعد وضوح عدم تأثيرها في قدرته تعالى وسلطنته تكوينا عليها ـ لا تنحصر في شيء واحد منها تكون هي المخصّص والمرجّح العقلي له دون غيره ، بل تكون في كثير منها ، بل يكون الحسن والمصلحة في كثير منها على السواء. ودعوى