حصرها في العالم الموجود دون غيره مجازفة. وفيما يكون المرجح العقلي في فعلين مثلا على السواء يكون المرجح في فعل أحدهما منحصرا بالمشيئة ، ويفعله الحكيم بمشيئته بلا تأمل ، لكونه محصّلا للغرض. فلا محدودية لذاته الحكيم من جهة حكمته توجب عليه خلقة هذا العالم الموجود دون غيره.
فتحصّل مما ذكرنا أنّ الذات القدوس له الإطلاق والحرية وعدم المحدودية في قدرته تكوينا مع عدم تناهي مقدوراته الممكن إيجادها ، وفي حكمته أي في قدرته بحسب حكم العقل أيضا بحسب الغالب لعدم انحصار ما فيه المصلحة والحسن في شيء معين من مقدوراته.
بل المخصص تكوينا وعقلا لإيجاده بعضها دون غيره منحصر في مشيئته وأمره فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد.
وظهر مما ذكرنا أنّه لا بد للقادر من المشيئة كي تكون هي المرجح والعلة تكوينا للشيء ، وإلا لزم الترجيح بلا مرجّح الذي مرجعه إلى وجود المعلول بلا علة. فإنّ نسبة الذات القادر وقدرته لو لا مشيئته إلى مقدوراته على سواء. فإن كان ذاته لو لا مشيئته كافيا في وجود المقدور لزم وجود جميعها ، وإلاّ لزم عدم وجود شيء منها ، فلا مخصص للشيء الموجد إلاّ مشيئة ، والمشيئة فعله.
وإنّما أطلنا الكلام في المقام لدفع بعض الأوهام الصادرة من بعض الأقلام ، الموجب لتوهم وجوب خلقة هذا العالم وتعيّنه عليه تعالى شأنه. فنقول : ربّنا لك الحمد كما استحمدت به على أهله الذين خلقتهم له. اللهم ربّنا لك الحمد كما رضيت به لنفسك وقضيت به على عبادك.
ثم إنّه تعالى بعد ما خلق الخلق تكون قدرته وبسط يده على إبقائه وإفنائه وتبديله وتغيير ما قدر فيه زيادة ونقصا وتقديما وتأخيرا نظير قدرته على إيجاده وإحداثه ، لا ملزم له على إبقاء شيء منه ، لا تكوينا لسعة قدرته وعدم تناهي مقدوراته الممكنة ، ولا بحكم العقل إلاّ ما يقبح عقلا كالظلم ونظيره من القبائح العقليّة. التي منها خلف الوعد المنجز دون المشروط بشيء كما يشير إليه قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ