فاعل إلى الله تعالى ـ الذي هو علة العلل ـ أولى من نسبته إلى الفاعل بالمباشرة ، وبعض أنهاها في العباد إلى سعادتهم وشقاوتهم الذاتية ، والذاتي لا يعلّل ، وقال : إنّ الله لم يجعل السعيد سعيدا ، والشقي شقيا وإنّما أوجدهما ، وبهذا يرفع استناده إليه تعالى.
والجواب عنه ـ مضافا إلى بطلان تفسير المشيئة بالعلم بالأصلح ، فإنّ المشيئة صفة الفعل ، والعلم صفة الذات ، ولذا يصح القول بأن الله لم يشأه ولا يصح القول بأنه لم يعلم إلاّ بعناية (١).
ومضافا إلى بطلان تفسيرها في المخلوق بالشوق الأكيد ـ لما نجد من أنفسنا أنّا وإن كنا مشتاقين إلى عمل غاية الاشتياق ، فإنّه لا يصدر منا إلاّ بالعزم لنا الوارد على جميع العلل التكوينية والشهوات والأشواق ، وفاعله النفس بما لها من القدرة التي أعطاها الله إياها وإليها ينتهي فعلها ، كما قال المحقق الطوسي : والضرورة قاضية باستناد أفعالنا إلينا (٢). ومضافا إلى بطلان ذاتية السعادة والشقاوة في الإنسان ـ :
أنّ المرجّح أي العلة الفاعلية لمشيئة الفاعل ، سواء تعلق بالفعل أو الترك ، هو ذات الفاعل بما له من القدرة ، كما يشهد بذلك أنّه ربما لا يكون لأحد الفعلين من جهة الخاصيّة والصلاح والفساد ، والحسن والقبح ، والسهولة والصعوبة ، وغيرها مزيّة على الفعل الآخر ، ومع ذلك لا نجد لأنفسنا نقصا في التمكن على كل من الفعلين ، كما ربما لا يكون لفعل الشيء في الجهات المذكورة مزيّة على تركه. وفي هذا الفرض أيضا لا نجد لأنفسنا نقصا في التمكن من الفعل والترك ، وفي الاستيلاء عليهما ، بل ولا توقفا في العمل. وفي صورة وجود المزيّة أيضا نجد أنّه لا تأثير لوجودها في مالكيتنا وتمكننا على كل من الطرفين ، ولكن لوجود العقل الكاشف عن الحسن والقبح ، والعلم بالمصلحة والمفسدة ووجود كمال الحكمة فينا لا نفعل المرجوح مع كمال القدرة على فعله ، فنسبة سلطنة القادر تكوينا على طرفي الفعل والترك في جميع الصور متساوية ، والمرجح لكل منها هو
__________________
(١) في صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليهالسلام : المشيئة محدثة. وفي رواية بكير بن أعين عنه عليهالسلام : العلم ليس هو المشيئة ... الخبر ، التوحيد ١٤٦ ، البحار ٥ : ١٢٢.
(٢) كشف المراد ٣٠٨.